اكثر ما امجه هو رائحة الكرنب المسلوق المنبعثة من الشقة المجاورة. هذه
الرائحة الفواحة، بالاضافة الى الروائح الكريهة المنبعثة من الشقق المجاورة الاخرى جعلتني اكره الحياة. كيف يستطيع امرؤ ان يعيش او يمشي او يهنأ . الماء المتدفق من الصنابير في الغرف المجاورة
يجعل من الصعب النوم.
قام
عن فراشه، وتناول من مكتبته احد الروايات. بعد قراءة عدة كلمات صاح:
- تبا.
هذا سخف! الى متى سأستمر في قراءة هذا اللغو؟ .. سأطوي هذه الصفحة .. من يعلم؟ قد اجد
ما يثير في صفحة تالية..
جلس
على مكتبه، وهو يخاطب نفسه:
- سأولف روايات وساكون
كاتبا مشهورا. لقد
سرد التاريخ قصصا وحوادث مع اشخاص مشهورين لو وضعتها في قالب روائي ربما يتسنى للمرء
ان يصبح كاتبا مشهورا. فأي العوائق بين انسان عبقري مثلي وبين هذه المكانة؟ امسك ورقة
وراح يكتب. بعد كتابة عدة فقرات
شعر بالسعادة في نفسه:
- ما اتوق الى معرفته هو السبب الذي جعل الدنيا تتمخض
فتلد كاتبا مبدعا مثلي؟
في هذه الاونة كان مختار، والحق يقال -
اشبه بالفزاعة - ويبدو كسلحفاة موضوعة في كيس .. شعره كالقش ويجلس في مكتبه بالساعات،
عاكف على القراءة والكتابة .. من يراه يكتم ضحكاته بجهد.
بعد ان كتب فيها فصولا على مدار شهرا
من الزمان، مزق الورق وقال هذه الرواية غير متماسكة ولا توجد حبكة بها، واللغة تبدو لي ركيكة. يبدو انني لن ابلغ درجة كاتب او حتى قارئ في غضون
اسبوعين ولا حتى في سنتين.
حك جبهته واستغرق في الفكر، ماذا اعمل؟ ثم قفز في الهواء وهو يقول:
- وجدتها، سأنضم الى احد الاحزاب واصير سياسيا كبيرا.
ذهبت الى .... اعرض عليه قراري. لو شاهد احدكم هذا الكلب المرعب الذي توقف امامي اليوم، وهو ينبح
نباحا مريعا اصم اذنيّ. لو وقف هذا الوحش المكتنز على قائمته وهذا عمل لا يجيده.
لاصبح اكثر طولا من اي انسان. صحت فيه، ولكنه استخف بي واخرج لسانه لي، ثم ارخى اذنيه وابتعد عندما
صاح به صاحبه.
ثم لذت بالفراش والمسألة السياسية تستاثر بقلبي! .. غصت في النوم، وفي
الصباح جاءت والدتي لتوقظني..
صرخت امي بصوت اصم الاذن واسمع الصم: هيا
استيقظ.
- اخبري وزير الدفاع انني اريده حالا في مكتبي.
- ماذا؟ ماذا تقول؟
- ألم تسمعي؟
- كفاك هراءا! هيا استيقظ.
- اهكذا تكلمين رئيس الجمهورية؟
كانت والدتي اول انسان اطلعته على هويتي. حينما سمعت انني اصبحت رئيسا
للجمهورية، فغرت فاها، وكادت تسقط مغشيا عليها. المسكينة لم تشاهد رئيس جمهورية من
قبل. لكنني سريت عنها . طمأنتها . اكدت
لها انني سأتولى رعايتها.
تخلفت عن العمل بالمصلحة لاربعة ايام. فلتذهب المصلحة الى جهنم النار!لدي
ما هو اهم. العامة
منغمسون في جهالتهم ولا يستطيع المرء ان يناقشهم في المواضيع الرفيعة .
اتصل به اصدقائه، يستفسروا عن صحته، اعلمهم انه لديه عملا اهم التحق
به، ظنوه يمزح واعلموه انه سيتم رفته.
- كلا ايها الاصدقاء، لن تستدرجوني بعد
اليوم.
حينما ولج الى الداخل، كان يقف في بهو المقر
العديد من اعضاء الحزب، سارعوا بتقديم انفسهم اليه ورغبوا في التعرف عليه، كان يرى
ذلك امرا طبيعيا فهو شرف لهم. ولو ان سائلا سأل لماذا يرى نفسه اسمى من بقية الناس
لعجز عن الجواب. حقا انه كان يرتدي الثياب الغالية ولا يفقه شيئا عن امور السياسة،
ومع ذلك كان شديد الاقتناع بهذا التفوق... بعد الاجتماع الذي دام ساعتين نظر الى من حوله وقال في نفسه: يا لهم من منافقين اولئك مدّعي
الوطنية، بيد انهم على استعداد ان يبيعون امهاتهم وابائهم واخوتهم وحتى دينهم من
اجل رزمة دولارات. واخذ يضحك ضحكة اكثر صخبا من خواطره، وقال
لنفسه: انهم تافهون .. (فلان) انه بائس . لسانه ينفث سما لأن الغيرة تنهش قلبه ! اما
(فلان) فهو سياسي متمرس لا يفوته شاردة او واردة. سأنفرد به في احد الغرف واعلم
منه كل شئ.
- اصغ يا ".."، نحن وحدنا الآن
، ولا ثالث معنا ، وان شئت زيادة في الحرص، اقفلت الباب، حتى لا يبصرنا او يسمعنا احد
! حدثني بكل ما يختص بـك، .. كل شئ، ما يقال، ولا يقال، فسرك مكتوم.
- للاسف انهم لا يقيمون وزنا لكلامي.. لا يسمعون.. ماذا استوجب حقدهم؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تعليقك يثري الموضوع