3 سبتمبر 2015

دقيقتان من الكراهية


دقيقتان من الكراهية:
فرض الحزب الحاكم على كل المواطنين في "اوراسيا" فرضا يوميا يدعى "دقيقتا الكراهية"، حيث يلتزم كل مواطن بلعن الدولة المعادية "الشيطان الاكبر" وفي احيان اخرى ايضا حليفتها "الشيطان الاصغر" لمدة دقيقتان.


جرت العادة ان يحضر العمال والموظفون فعاليات "دقيقتا الكراهية" في بدء يوم العمل حيث يقفون في مواجهة الشاشة الكبيرة. تبدأ الفعاليات بصافرة اشبه بصوت صادر عن ماكينة جف زيتها. كان صوتا تصطك له الاسنان ويقف له شعر الرأس. وفي البداية يظهر على الشاشة علم الدولة محط الكراهية دائما. كان برنامج "دقيقتي الكراهية" يتنوع من يوم الى يوم درءا للملل، ولكن كان محوره دائما صورا من معالم تلك البلد وقد لحقها الدمار والحريق، مشاهد من خطب رئيسها والتي يلقي فيها تصريحاته التي اعتبرها الحزب مسيئة بدرجة كبيرة واهانة لبلاده. 
قبل ان تمضي الثلاثون ثانية الاولى من فعاليات "دقيقتا الكراهية" بدأت تتعالى صرخات غاضبة منفجرة من نصف الحضور في القاعة، اذ كان الوجه الاشبه بوجه الخروف والمعتد بنفسه لدرجة الغرور فضلا عن الفزع الذي تثيره مشاهد العرض العسكري لجيش "اوراسيا" على الشاشة اكثر مما يمكن ان يحتمل، لقد كان ما تثيره "دقيقتي الكراهية" تفوق التصور.
وفي الدقيقة الثانية تصاعدت الكراهية حتى اصبحت سعارا، وراح الناس يثبون الى اعلى وهم يلوحون بقيضة ايديهم ويصيحون بأعلى صوتهم حتى يطغى على الصوت الثغائي الصادر من الاخ الاكبر من الشاشة.

ولعل افظع ما في دقيقتى الكراهية، هو ان المرء لم يكن مجبرا على ترديد الهتافات، ومع ذلك كان من المستحيل عليه ان يتجنب الانخراط في هذا المشهد، ففي غضون ثلاثين ثانية يصبح عدم المشاركة في "دقيقتي الكراهية" بالامر العسير، ذلك  ان نشوة من الخوف والرغبة في القتل والانتقام والتعذيب وتهشيم الوجوه بالمطرقة كانت تتملك الحاضرين جميعا، وتسري في اوصالهم وكأنها تيار كهربي يدفع بالمرء رغما عنه الى الصراخ والصياح كمن اصابه مس شيطاني.
ومع هذا فان الغضب الذي تشعر به انذاك انفعالا طائشا وغير محدد الوجهة ومن الممكن تحويله من وجهة الى اخرى مثل لسان لهب متصاعد. حقا انه في مقدور المرء دائما ان يحوّل كراهيته بهذا الاتجاه او اتجاه اخر روحاني وهو الاهم، اي تحويله نحو عدو غير منظور للجنس البشري منذ بدء الخليقة الا وهو الشيطان. ولكن هذا كان يحدث بالقوة المتغصبة، ويحتاج لنفس القوة التي يرفع فيها المرء رأسه من على الوسادة حينما يستولى عليه حلم مفزع.
كانت الشعارات مجرد كلمات تشجيعية يمكن ان تعتبرها من تلك الهتافات التي يتمتم بها في معمعة الحرب ولا يستطيع المرء تمييزها الا اذا كان يحفظها مسبقا، بيد انها كانت تعيد الثقة الى النفس بمجرد التلفظ بها . كانت هذه الشعارات تظهر على الشاشة باحرف كبيرة بارزة:
اما وجه الاخ الكبير ورغم زواله عن الشاشة بعد انتهاء الخطبة، فقد بقى منطبعا عليها لثوان اخرى وكأن تأثيره الذي تركه في عيون الاخرين اقوى من ان ينمحى دفعة واحدة وعلى الفور. 
 وقد جرت العادة على تسمية الكتاب الذي يحوي افكار الحزب بـ "الكتاب" لأنه كان بلا عنوان. وكانت الشائعات المبهمة هي المصدر الوحيد لأي معرفة عن هذا الكتاب، الذي لم يوجد منه نسختان متطابقتان، ففي كل يوم يحذف من الكتاب ويضاف اليه، لا ما كان يمر يوم الا وتدحض نظريات الاخ الاكبر وافكاره وتصبح مثارا للسخرية. الا ان تأثير الاخ الاكبر كان تأثيرا لا يضعف  ففي كل يوم ينضم اليه اغرارا ينخدعون به، كما كانت شرطة الفكر تلقي القبض على من ينتقده.
عن رواية: 1984
==
روابط ذات صلة:
وزارة الحقيقة

رواية 1984


رواية من تأليف جورج أورويل قدمها في عام 1949 والتي كان يتنبأ من خلالها بمصير العالم الذي ستحكمه قوى كبيرة تتقاسم مساحته وسكانه ولا توفر أحلامهم وطموحاتهم بل تحولهم إلى مجرد أرقام في جمهوريات الأخ الأكبر الذي يراقب كل شيء ويعرف كل شيء، حيث يمثل حكمه الحكم الشمولي. لقد وصف جورج أورويل بشكل دقيق تحول القيم البشرية إلى أشياء هامشية ومن ثم سطوة الأحزاب السلطوية والشمولية على الناس والشعوب ليكونوا مجرد أرقام هامشية في الحياة بلا مشاعر ولا عواطف وليس لديهم طموحات أو آمال، حيث يعملون كالآلات خوفا من الأخ الأكبر ولينالوا رضاه لأنه يراقبهم على مدار الساعة.
في مدينة لندن يعيش “وينستون سميث” الرافض لأن يكون بيدقًا في رقعة الأخ الأكبر، هنا يصنع جورج أورويل عالمه المتوقع والإستشرافي، في دولة شمولية تسحق كل قيم الإنسانية، وتعيش على بيع الوهم لشعبها، في وزارة الحقيقة يزوَّر كل شيء وفي وزارة الحب يعذّب الشعب، هنا الأخ الكبير هو كل شيء . وزارة الحقيقة (الإعلام) هى المسؤولة عن تغيير البيانات والمعلومات الموثقة، على مدار الساعة لتتماشى مع إستراتيجية وأهداف الحزب والحكومة بقيادة الأخ الأكبر!. فهناك موظفون يقومون بحذف كل تلك الوعود المحرجة من الأرشيفات الصحفية، واستبدالها بتنبؤات مذهلة.
كما كانت هذه الرواية في وقت من الأوقات تعد ثورية وخطرة سياسياً مما أدى إلى منعها من المكتبات في عدد من الدول التي كانت محكومة بحكومات شمولية كروسيا وحتى غيرها من الدول. هذا وقد إختارت مجلة التايم الرواية كواحدة من أفضل مائة رواية مكتوبة بالإنجليزية منذ عام 1923 وحتى الآن. وقد تم ترجمتها إلى 62 لغة.


لتحميل الرواية اضغط هنــــــا




رواية 1984 لتي ألفت عام 1949 هي تصور تنبؤي للواقع البشري بعد 50 عاما إذا استطعت أنظمة الحكم الشمولية (التوليتارية) والاستبدادية أن تصل الى حكم العالم.
لتحميل الرواية:
http://www.4shared.com/get/NuqIYsNJ

لقطات من الفيلم:




الفيديو الملخص للرواية مع الترجمة العربية:



لقطة من احد الافلام القديمة يظهر فيه ملصق "الاخ الكبير يراقبك" في الشارع، كما كانت الحكومة تراقب المواطنين في منازلهم من خلال اجهزة تنصت واجهزة التلفاز لذلك فمحظور علي المواطنين غلق التلفاز.


روابط ذات صلة:
وزارة الحقيقة

1 سبتمبر 2015

الثورات، ما لها وما عليها


في الاونة الاخيرة بدأ بعض الاعلاميون يطرحون السؤال: هل ما حدث يوم 25 يناير ثورة ام انتفاضة ام مؤامرة؟
وينسون ما سبق هذا اليوم من كم الفساد والاهمال الهائل في شتى مناحى الحياة، هذه القضايا التي خصصوا لها الحلقات الطويلة في برامجهم.
في رأيي من يقول ان 25 يناير لم تكن ثورة، هو:
1. لم يشترك فيها، فلم يرى بعينيه الشباب المخلص وهو يهتف بحماسة الشعار المشهور "عش حرية ، عدالة، كرامة انسانية". لم يرى الشباب المخلص وهو يكافح ويبيت في العراء ومعظمهم كان من الطبقة المتوسطة والراقية وليس من الفقراء او المعدمون.. لم يرى الحشود الهادرة كأمواج البحر في مليونيات الثورة. 
2. متقلب الرأي لأن الجميع بلا استثناء كانوا يمجدون الثورة في الايام التي تلتها.
3. لم يدرس ولم يتعمق في بحثه: فهذه الثورة لم يستخدم فيها اطلاق النار ضد مؤسسات الدولة اي الشرطة او الجيش: لم يسقط شهيدا واحدا من اي منهما. كانت ثورة بيضاء، سلمية تماما.
4. فكره جامد او غير مرن او غير ديناميكي: امور الحياة ليست ابيض واسود فقط بل هي مختلفة الالوان. لا يوجد كتاب "Manual catalogue" للثورات ، فلكل بلد طابعها وثقافتها الخاصة. ولا توجد ثورة هي بصمة اصبع او نسخة متطابقة من ثورة اخرى. ممكن ان تشترك ثورات في خطوط عامة ولكنها حتما تختلف في التفاصيل.
5. لا احد يستطيع ان يقول انه يقدم حكما جازما على احداث التاريخ، او يحكم حكما صائبا صوابا مطلقا على وقائعه، او ان يدعي انه ملم بكل التفاصيل. اننا فقط ندرس التاريخ. هل يطلق الفرنسيون مثلا على ثورتهم انها ثورة دموية لانها قتل فيها اعدادا كبيرة من طبقة النبلاء واستخدم فيها السلاح من قبل المتمردين ويغفلون الجانب الاخر المضئ، في انها كانت ثورة ذات اهداف نبيلة رفعت الشعار المشهور "الحرية والاخاء والمساواة". وانها كانت باعث النهضة الحديثة في اوربا.
هل يستطيع احد في ايامنا هذه ان يقول ان النظام الملكي فاسد مئة في المئة؟ ألا يزال في عالمنا نظم ملكية قائمة؟

***
حينما شاهدت فيلم "البؤساء" المأخوذ عن رواية بنفس الاسم. اعجبني مقطع يسرد لمحة عن الثورة الفرنسية لذا اوردتها في هذه التدوينة بشكل روائي.
كانت الوجوه ذات الشوارب والمعتمرة قبعات طويلة تبدو مستنفرة الى اقصى حد. وترامى من على المنصة صوت يشتعل حماسا:
اني اسألكم، هل نحن في حاجة إلى الملك؟ ان النبلاء ما هم الا طفيليات تمتص دماء الفقراء..  يسقط النظام الملكي. سحقا للرجعية.
 وعلى مقربة من المنصة اخذ احد الشباب يوزع منشورات وهو يقول:
ان جمعيتنا تطالب بتشكيل حكومة جديدة. هيا انضموا الينا اليوم، وسنعمل معا على وضع يدنا على مقبض سيف الله و نهتف ... "فلتسقط طبقة النبلاء!  يسقط النظام الملكي"!  نستطيع ان نفعل ذلك!.. معا فقط يمكننا احضار هؤلاء القتلة على ركبهم جاثين. ونحن نسير الى النهضة وسنكون المنتصرين، تعاهدنا على الانتصار او الموت،  لن نحبط ابدا ، لا مجال للخوف والتراجع الآن! لدينا العقول التى تحلم ، و الافواه التى تتحدث، والمشاعر التي تحترق.... ان المآسى لتصرخ بنا ان نطالب بالحرية ! البؤس يطالب بالعدالة الاجتماعية. الموت للملك! الموت للنظام الملكي! عاش االشعب! عاشت الجمهورية!
 في المؤخرة كان السيد "مادلين" يقف مع ابنته "كوزيت" التي راحت تنظر الي الحشد الواقف وتتطلع باهتمام الى المتحدث على المنصة التي نصبت في حديقة "الحرية" بباريس.
تطلعت الى ابيها وسألت باستغراب:
 - .. لا افهم. ماذا  يفعلون؟
- انها الثورة.
- ولكن ما هي؟
ولم تكد تنهي سؤالها حتى هتف شخص على مقربة:
- بسرعة!  صوبوا سلاحكم ! جردوهم من سيوفهم او اقتلوهم!
كان في الجهة المقابلة الشاب ما زال يردد كلماته للحشد المجتمع:
- انضموا إلينا! انضموا  إلينا!
 تبادل الاب وابنته نظرة خائفة. ثم عادت للسؤال:   
- ولكن لماذا؟ لماذا تريد أن الشرطة القبض عليهم؟
- لانهم ثوريون. انهم يريدون تدمير النظام الملكي.
 - وهل  النظام الملك سيء؟
- اجل،  انه لايصغى  إلى الفقراء ابدا. و لكن اوامر الجيش الفرنسى بقتالهم لا طائل منها.
- و هل هو ... اقصد هل هم سوف يعودون إلى الحديقة؟
- أشك في أن اى شيىء يمكن ان  يمنعهم حتى يقتلوا .
انسحب الاب وابنته من التجمع متجهين الى قصرهم، وما هي الا لحظات حتى عمّت الفوضى والاضطراب المكان .. قبضت الشرطة على بعض المتمردين ووجهت لهم التهم المعروفة ..
في اليوم التالي وقف مفوّض الشرطة يهتف في رجاله:
- انتم الان الوكلاء الرسميين للحكومة. سوف لا ترتدون ملابس الشرطه الرسمية حتى يتم القبض على قاده هذا التمرد.  اريد منكم اختراق كل المناطق.. استجوبوا اى شخص لديه معرفه بهؤلاء الخونة. اعثروا على الزعماء و اجلبوهم . و ان كانت هناك مقاومة اطلقوا  النار عليهم على الفور.
عن رواية البؤساء - فيكتور هوجو
==
روابط ذات صلة:
فيلم البؤساء مع الترجمة

محطات في تاريخ الثورة الفرنسية