ران على شلة الاصدقاء السكون للحظات، وما لبث
ان قطعه صوت القرقرة الصادرة من جوزة "رجب". ثم طافت تعليقات شتى عن
الطائرات الامريكية التي ضربت فيتنام الشمالية، الاشاعات التي لا تحصى، الهاوية
التي يرقد على حافتها العالم، اللحوم والجمعيات التعاونية. الرشوة. العملة الصعبة.
الزحام وتدني المرافق.. كل ذلك استقر في جوف الجوزة ثم تبخر دخانا كالبخار
المتصاعد من طبق الملوخية التي طبخها عم عبده بالامس. وشعار كل واحد منهم بدى
وكأنه ترديد لصدى لسان حال كل منهم ، يقول: لو لم اكن لتمنيت ان اكون.
قال مصطفى راشد: عندما يتوهج في السماء نور
كهذه الجمرة التي امامي يقول المرصد الفلكي ان نجما قد انفجر وانفجرت بالتالي
مجموعته واستحال الكل غبارا.
.. قال احمد: فلنبدأ بك. حدثينا عن همك الاول
في الحياة.
لم يفاجأ بالسؤال فيما بدا وقالت ببساطة
موحية بالصراخ:
- اهم ما يشغلني الان هو ان اجرب نفسي في
كتابة المسرحية.
فقال مصطفى راشد بخبث:
- المسرحية لا تكتب لغير سبب.
جذبت نفسا متمهلا من السيجارة. وهي تضيق
عينيها متفكرة مترددة فابتسم على السيد ابتسامة تنم عن مشاركة وجدانية:
- واضح من ان جو عوامتنا لا يتقبل من الحديث
الا السخرية والعبث.
وصاح رجب:
- امامكم ساحرة ستحول بقلمها المهزلة الى
دراما هادفة. ولكن هل تؤمنين بهذا حقا؟
- اود ذلك..
- تكلمي بصراحة، خبريني كيف. لا شك اننا نرحب
بكل قلوبنا بهذه المعجزة.
- لا شك انها ارادة الحياة.
وتبادلوا الافكار. ارادة الحياة شئ صلب مؤكد،
ولكنها قد تفضي الى العبث. اجل ما المانع؟ وهل تكفي لخلق البطل؟ ثم ان البطل هو من
يضحي بارادة الحياة نفسها في سبيل شئ اخر ، هو اسمى في نظره من الحياة فكيف يتأتى
ذلك الشئ العجيب؟
- ارادة الحياة هي التي تجعلنا نتشبث بالحياة
بالفعل، ولو انتحرنا بعقولنا، فهي الاساس المكين ، وقد نسمو به على انفسنا.
فقال مصطفى:
يمكن تلخيص فلسفتك بانها تستبدل شعار (من تحت
لفوق) الى (من فوق لتحت)
- لا فلسفة هنا
- همي الاول هو الستر!
- هو الوحيد فينا الذي سيعيش بعد الموت..
وضاق انيس بوحدته فنادى عم عبده ليغير له ماء
الجوزة. وتمثل العملاق في لحظات حضوره كالموجود الوحيد في خلاء صوتي.
وجاء صوت يقول : ان همه الاول هو التذكر.
واخر قال:
- لا، بل النسيان.
وسأل انيس:
- لماذا وقف التتار على الحدود؟
وهتفت ليلى: ليس لنا شأن بهذا!
غشى الجميع صمت جنائزي. واغمض انيس عينيه .. لم
يعد الصمت يحتمل فقال على السيد:
- اني حزين .. يحسن بنا ان ننسى اجابة هذا
السؤال.. لا، بل الموضوع كله.
وهتفت ليلى:
- اني صائرة الى موت محقق.
فقال خالد عزوز:
- كلنا صائرون الى موت..
- انما اعني موت افظع.
- ليس ثمة ما هو افظع من الموت.
وازدرد ريقه ثم استطرد:
- ثمة موت يدركك وانت حي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تعليقك يثري الموضوع