الصفحات

15 ديسمبر 2021

رواية اللص والكلاب

اللص والكلاب

رائعة من روائع نجيب محفوظ عميد الرواية العربية.
 يخرج سعيد من السجن ليصطدم بواقع كان السبب في دخوله السجن: زوجته التي خانته، وابنته التي سرق المال من اجل ان يؤمن حياة كريمة لها، واصدقاء خانوه وابلغوا عنه وهم اﻻن يعيشون في رغد بالمال الذي استولوا عليه.
يقابل سعيد الشيخ علي في احد المساجد في منطقة نائية بالمقطم. يحدثه سعيد عن رغبته في اﻻنتقام فيحدثه الشيخ عن ذكر الله وباب السماء، ويوفر له مبيت لليلة واحدة.
يقابل سعيد صيقا له هو علوان رؤوف. يطلب منه ايجاد عمل له، يتنكر له ولصداقته ولكنه يخرج حافظته ويمن عليه ببعض المال. 
يحاول ان يسطو على فيلا علوان ليسرق منها ماﻻ. ولكن يفتضح امره، ويهدده علوان بابلاغ الشرطة. ولكنه يعده اﻻ يعود ثانية.
يذهب الى المعلم طرزان ويطلب منه سلاحا. يعطيه المعلم ما طلب ولكنه ياخذ منه وعدا اﻻ يكون للغدر والشر.

**

الفصل اﻻول
مرة اخرى يتنفس نسيم الحرية، ولكن في الجو غبار خانق وحر ﻻ يطاق. وجد بانتظاره بدلته الزرقاء وحذاءه المطاط، وسواهما لم يجد في انتظاره احدا. ها هي الدنيا تعود اليه، وها هو باب السجن اﻻصم يبتعد منطويا على اﻻسرار اليائسة. هذه الطرقات المثقلة بالشمس وهذه السيارات المجنونة والعابرون والجالسون والبيوت والمحلات.
نبوية عليش، كيف انقلب اﻻسمان اسما واحدا. لعلكما تترقبان في حذر. سانقض عليكما في الوقت المناسب كالقدر.
وسناء اذا خطرت في النفس انجاب عنها الحر والغبار والبغضاء والكدر. وسطع الحنان فيها كالنقاء غب المطر.  ماذا تعرف الصغيرة سناء عن ابيها؟ .. ﻻ شئ. طوال اربعة اعوام السجن لم تغب عن باله.
جاءكم من يغوص في الماء كالسمكة ويطير في الهواء كالصقر ويتسلق الجدران كالفار وينفذ من اﻻبواب كالرصاص.
وتنهد يقول: نت خلال هذا الكدر ﻻ يبسم اﻻ وجهك يا سناء!
جاءه صوت من خلف:
سعيد مهران.. الف نهار ابيض.
توقف عن المسير حتى ادركه الرجل فتصافحا وهما يغطيان على انفعاﻻتهما الحقيقية بابتسامة باهتة. اذن بات للوغد اعوان، وسيرى قريبا ما وراء هذا اﻻستقبال، ولعلك تنظر من الشيش متخفيا كالنساء يا عليش.
وسرعان ما وجد نفسه مطوقا من كل الجهات بحشد من اﻻصدقاء.
وتازم الجو بالصمت وتبودلت نظرات قلقة حتى عاد عليش يقول وكانما اراد فتح صفحة جديدة:
ﻻ يعيب الرجل اﻻ العيب. ما فات قد فات.
فقال المخبر بضجر:
ادخلوا الى الموضوع واعفونا من اللف.
فتساءل سعيد:
من اي ناحية؟
ناحية واحدة هي التي يجوز فيها الكلام وهي ابنتك؟
وزوجتي واموالي.
بنتك في الحفظ والصون، مع امها، وقانونا يجب ان تبقى مع امها ستة اعوام.
واموالي؟
وﻻ مليم! فتساءل سعيد في تحد:
خبرني كيف امكنك ان تعيش في سعة؟
فصاح عليش محتدا:
هل انت ربنا حتى تحاسبني؟
وقال رجل:
اخز الشيطان يا سعيد..
وقال المخبر:
اخز الشيطان يا سعيد. هاتوا امها.
وعندما ترامى وقع اﻻقدام خفق قلب سعيد خفقة موجعة وتطلع الى الباب.. وتبدت في فستان ابيض انيق. تطلعت الفتاة في الحاضرين بوجه اسمر وشعر اسود مسبسب فوق الجبين فالتهمتها روحه. لم ينزع منها عينيه ولكن فلبه انكسر حتى لم يبق فيه سوى شعور بالضياع.
كانها ليست بابنته. رغم اﻻنف المحدب والعينين النجﻻوين ونداء الدم والروح؟ 
ابوك يا شاطرة.
سلمي على ابوك.
ومد يده نحوها ولكنه بدل الكلام شرق فازدرد ريقه.
ﻻبد ان تعود الي.
كما قلت اول اﻻمر. بقرار من المحكمة.
فقال عليش:
اﻻمر ﻻ يخصني. القرار للقاضي
وشعر سعيد انه لو تمادى في الغضب ﻻنفجر جنونه.
نعم المحكمة.
وقال المخبر في لهجة لم تخل من سخرية:
ابحث اوﻻ عن عمل مستقيم تاكل منه لقمتك…
*
الفصل الثاني

نظر الى الباب المفتوح، المفتوح دائما كما عهده من اقصى الزمن، وهو يقترب منه ضاربا في طريق الجبل. مثوى ذكريات في حي الدراسة ..
تبادل والشيخ التحية.
 انت لم ترني منذ عشرة اعوام وفي تلك الفترة حدثت امورا غريبة. لعلك سمعت عنها من بعض مريديك.
ﻻنني اسمع كثيرا. ﻻ اكاد اسمع شيئا..
على اي حال ﻻ اريد ان اتنكر. لقد خرجت اليوم من السجن.
فهز راسه في بطء وهو يفتح عينيه قائلا فيما يشبه اﻻسى:
انت لم تخرج من السجن
فابتسم سعيد. كلمات العهد القديم تتردد من جديد. حيث لكل لفظ معنى غير معناه. وقال:
يا شيخ كل سجن يهون غير سجن الحكومة..
غمغم الشيخ
قال سعيد" انكرتني ابنتي ، وجفلت مني كأني شيطان، ومن قبلها خانتني امها.
فعاد الشيخ يقول برقة: خذ واقرأ. 
لكن افكاره لا تقبل ان تهدأ.
ترى كيف انت اليوم يا رؤوف؟ هل تغير مثلك يا نبوية. هل ينكرني مثلك يا سناء؟ رؤوف انت لغز وعلى اللغز ان يتكلم، اليس غريبا ان يكون علوان على وزن مهران؟ وان يمتلك عليش تعبي كله بلعبة كلاب؟
***

الفصل الثالث

وثب من مكانه وهرول عندما توقفت سيارة امام الفيلا. فهتف بصوته الغليظ القوي:
استاذ رؤوف.. انا سعيد مهران!
وجاء الخادم يدفع امامه نضدا. وراح يملأ بنفسه كأسين..
في صحة الحرية.
وافرغ سعيد كأسه دفعة واحدة في حين تناول رؤوف رشفة وسأل:
وكيف حال ابنتك؟
انكرتني ابنتي.. 
وملا سعيد كأسا اخر دون استئذان، فقال رؤوف:
حكاية مؤسفة، اما ابنتك فمعذورة، انها ﻻ تتذكرك. سوف تحبك.
لم اعد اثق في جنس حواء كله.
هكذا انت اﻻن، اما غدا فمن يدري؟ ستغير رأيك بنفسك، وهكذا هو حال الدنيا..
ورن جرس التليفون.. وسرعان ما على وجهه ابتسامة عريضة. ومضى لى الفراندا. تابعه سعيد من اول اﻻمر بعينيه الحادتين.. لا شك انها امراة؟ هذه اﻻبتسامة وهذا التخفي ﻻ تكون اﻻ ﻻمرأة..
ومضى سعيد يتناول الوان الطعام بشهية. وحانت نه نظرة الى صاحبه فابتسم هذا بسرعة ليغطي على نظرة امتعاض!. انت مجنون ان تصورت انه يرحب بك من قلبه. ما هي اﻻ مجاملة بنت حياء. ولن يلبث ان يتبخر هذا الحياة. يا للفراغ الذي سيلتهم الدنيا.
يا عم سعيد زال تماما جميع ما كان ينغص علينا صفو الحياة.
فقال سعيد من فم مكتظ بالطعام:
من كان يحلم بهذا؟
ﻻ حرب اﻻن
لتكن هدنة! ولكل جهاد ميدان..
وجال بنظره :
وهذا البهو الرائع كالميدان..
واسف في قلبه على افلات هذه الملاحظة ولمح في عيني نظرة باردة. وتساءل رؤوف:
اي وجه شبه بين البهو والميدان؟
فزاغ قائلا:
اقصد انه مثال الذوق الرفيع.
فضيق رؤوف عينيه امتعاضا وقال بسخط:
المراوغة ﻻ طائل منها. افصح عما بنفسك. انا افهمك وانت تعرف ذلك.
فضحك سعيد مترددا:
لم اقصد سوءا على اﻻطلاق..
يجب ان تعرف انني اعيش بكدي.
هذا ﻻ اشك فيه مطلقا. بالله ﻻ تغضب هكذا..
عند ذلك قال رؤوف:
هل فكرت في المستقبل؟
فقال سعيد:
لم يسمح الماضي بعد بالتفكير في المستقبل..
يخيل الي ان النساء اكثر عددا من الرجال. فلا تكترث لخيانة امراة ، .. وابنتك سوف تعرفك وتحبك. عليك ان تجد عملا قبلا
اذا علي ان اجد عملا حقيرا.
ﻻ عمل حقير ما دام شريفا..
وبسرعة جرى بعينيه في البهو اﻻنيق ثم قال فيما يشبه التحدي:
ما اجمل ان ينصحنا اﻻغنياء بالفقر.
فنظر في ساعته.
فنهض سعيد وقال:
اعرف انني اخذت من وقتك كثيرا.
واخرج رؤوف حافظة نقوده واعطاه منها ورقتين من فئة الخمسة جنيهات.
فتناول الجنيهات باسما ثم قال بنبرة رجاء:
ربنا يتم نعمته عليك..

*
الفصل الرابع 

وفكر في نفسه: "سعيد، انت ﻻ تخدع بالمظاهر فالكلام الطيب مكر واﻻبتسامة شفة تتقلص  والكرم حركة دفاع من انامل اليد. ترى اتقر بخيانتك يا علوان ولو بينك وبين نفسك ام خدعتها كما حاولت خداع اﻻخرين؟ اﻻ يستيقظ ضميرك ولو في الظلام؟ اود ان انفذ الى ذاتك كما نفذت الى بيتك، ولكني لن اجد اﻻ الخيانة. ساجد نبوية في ثياب رؤوف او رؤوف في ثياب نبوية او عليش سدرة في مكانهما وستعترف لي الخيانة انها اسمج رذيلة فوق اﻻرض. 
هكذا وجدت نفسي محصورا في عطفة الصيرفي ولم يكن الجن نفسه يستطيع ان يحاصرني. عندما افرغ من تاديب اﻻوغاد فساجد في اﻻرض متسعا للاختفاء. هل يمكن ان امضي في الحياة بدون ماض فانسى نبوية وعليش ورؤوف؟ لو استطعت لكنت اخف وزنا واضمن للراحة وابعد عن حبل المشنقة ولكن هيهات ان يطيب العيش اﻻ بتصفية الحساب. لن انسى الماضي لسبب بسيط هو انه حاضر – ﻻ ماض – في نفسي. وستكون مغامرة الليلة خير ابتداء افتتح به العمل.
وجرى الليل كامواج من الظلام تنغرس في جنباتها اسهم من ضياء تنعكس من مصابيح الشاطئ. وساد صمت شامل مريح واقترب الفجر فتمطى وسار بمحاذاة لشاطئ الى القصر.. يا رؤوف تلميذك قادم ليحمل عنك بعض متاع الدنيا. وتسلق السور بخفة وباطراف وبحنكة كانها اطراف قرد ولم تعقه اﻻغصان الكثيفة الملتفة. دلف الى داخل في الظلام . وبغتة دهمه نور ساطع من كل ناحية. انغلق جفناه بلا ارادة ولما فتحهما راى رؤوف في روب طويل بدا فيه عملاقا ويده مدسوسة في جيبه مشدودة تحمل سلاحا، هكذا ظنه. ونظرة عينيه زادت قلبه المهزوم برودة. والصمت القاتل اثق من سور السجن، والسجان عبد ربه سيقول هازئا، ما اسرع ان ارجعت.
سوف اسلمك الى البوليس.
اعذرني، ما زلت اعيش بعقلية السجن وما قبله..
ﻻ عذر لك، انا اقرا افكارك،، قرات كل جملة مرت بعقلك، كل جملة، الصورة الكاملة التي تتصورني فيها، وﻻن ان لي ان اسلمك للبوليس..
فمد يده كالرجاء قائلا:
كلا..
اﻻ تستحقه؟
بلى ولكن..
فنفخ غاضبا وقال:
ان رايتك مرة اخرى فساسحقك كحشرة..

***

الفصل الخامس

في القهوة تناول سعيد قدح الشاي ثم رفعه الى فيه وراح يرشف قبل ان يبرد. ومال نحو المعلم طرزان وقال:
كيف حال الشغل.
تنابلة كانهم موظفو الحكومة…
التنبل على اي حال خير من الخائن، بسبب خائن دخلت السجن.
يا لطف الله!
الماساة الحقيقية هي ان صديقنا هو عدونا ..
اريد سلاحا ولكن اعذرني ليس ..
ما عاش من احوجك الى اﻻعتذار.
المسدس خير من الرغيف ومن حلقة الذكر. 
سعيد ماذا يعوزك؟ المسدس يتكفل بالماضي والكتب بالمستقبل.
وانت طالب هل امتدت يدك للسرقة حقا؟ وضحك: كي يتخفف المغتصبون من بعض ذنبهم، انه عمل مشروع يا سعيد، ﻻ تشك في ذلك". 
لعلعت في الخارج ضحكة انثوية.
نور.. لتات لترى ماذا فعل الزمان بها. التي عبثا ارادت امتلاك قلبك. قلبك الذي كان ملكا خالصا للخائنة. وليس اقسى على القلب من ان يروم قلبا اصم. حتى هداياها كان يهديها الى نبوية عليش. 
ضحك ثم قال:
سياتي صاحبك لياخذك..
فقالت: انه ﻻ يعرف راسه من رجليه.
على اي حال انت مقيدة.
فرمته بنظرة ماكرة وهي تتساءل:
اتحب ان ادفنه في الرمال؟
من؟
ابن صاحب مصنع الحلوى.
ليس الليلة. ﻻ احب اصحاب المصانع.
الحقيقة انت ﻻ تحب احدا.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك يثري الموضوع