الصفحات

25 أغسطس 2022

الرمزية في رواية الحب المحرر


رواية الجب المحرر من اروع الروايات اللرمزية والتي تأخذ طابع الروايات الرومانسية في الظاهر، اذ تتحدث عن اعظم علاقة بين البشر وهي الحب، كصورة للحب بين الله والنفس البشرية.
مؤلفة الرواية الكاتبة فرنسين ريفرز حاصلة على عديد من الجوائز في كتابة القصة والرواية، ولها سلسلة من عدة روايات تحمل نفس السمة.
بطلة رواية الحب المحرر فتاة تدعى انجل تعيش طفولة تعيسة تشبه الى حد ما طفلة كوزيت في رواية البؤساء لفيكتور هوجو.
تولد كفتاة غير مرغوب فيها تأتي من علاقة غير شرعية. وتتعرض للاذلال وتبحث عن خريتها وتتعرض لاغواء المال، واخيرا يحاول فتى يدعى مايكل هوشع اقناعها بالزواج به، يعتقد مايكل انه نداء داخلي او صوت الهي يرن في اذنيه انها هي الفتاة التي قدرت السماء ان تكون له زوجة.
عبثا يخاول اقناعها بالزواج فيما كانت تمارس عملها في الماخور. واخيرا تأتيه الفرصة، اذ تتعرض للايذاء الى حد كادت تفارق فيه الحياة. فينقلها الى كوخه البسيط ويداوم على تمريضها حتى تتعافى، وتبدأ سلسلة من احداث درامية شيقة، هي تجسيد لما يحصل للنفس البشرية في علاقتها مع الله.
من خلال اسلوب بليغ وتصوير دقيق تحاول الكاتبة الولوج الى داخل قلب كل من البطل والبطلة لتصف لنا ما لا تعبر عنه الكلمات الا بصعوبة. تحاول ان تصور لنا ردود افعال انجل ومايكل واطلاع القارئ على ما يمكن ان يكون السبب ورائها.
في الاسطر القادمة سأحاول ان ادون انطباعاتي في الجزء الثاني من الرواية بدءا من الفصل الرابع عشر وحتى السادس عشر:
+*+
تحاول انجل الهروب من مايكل هوشع، فتتعرض لاخطار عديدة: الصقيع، والجوع، ويدمى الحصى في الطريق الوعرة قدميها بعد ان انقطع حذائها. اﻻ يشير ذلك الى كل نفس تسلك دروب العالم وتتعثر فيها. قيل عن بلعام "الطريق ورطة امامك"(عد22: 32)، وقال الله على لسان النبي "هانذا اسيج طريقك بالشوك"(هو2: 6).

 تحاول عبور الجدول فتتعثر وتسقط مرارا وكأن لسان حالها ما تردد على لسان المرنم قديما "اكتنفتني حبال الموت وسيول الهلاك افزعتني"(مز18: 4). وتتعرض للتيه والضياع كما تاه شعب الله قديما، وكأنها تردد ما جاء على لسان قايين "تائها وهاربا اكون"(تك4: 12، 14). 
وﻻ يخفى عن القارئ الدﻻﻻت الرمزية في استخدام اﻻلفاظ. فمؤلفة الرواية تقول عن انجل انها (توجهت الى الجبال ، معللة ذلك بوجود "براديس" في مكان ما على اﻻعالي). فكان براديس وما يحمله من دﻻلة مزدوجة فهي مكان اﻻثم وان كان لغويا يعني الفردوس. لقد ظنت انجل ان براديس في قمة العلو، وان بيت مايكل الذي احبها كان في القاع. وهذا بالطبع ظن خاطئ. فبراديس والتي تعني "الفردوس"، ليست بالحقيقة هكذا، فابدا ما كان للاثم ان يمنح اﻻنسان ابدا المتعة.
"اين كانت الطريق الى الحرية؟ عبثا فتشت”. فيبدو ان الحرية في نظر انجل كانت التخلص من مايكل هوشع. بالمثل ظن اليهود انهم احرار فقالوا مرة "نحن اوﻻد ابراهيم ولم نستعبد ﻻحد قط"(يو8). في الحقيقة هم كانوا عبيدا من الناحيتين المادية والروحية. كانوا عبيدا للرومانيين واقعيا، كما كانوا عبيدا ﻻبليس روحيا.
سرعان ما ادركت انجل انها فقدت الكثير في هروبها. اذ تعذبها تذكارات اﻻيام الماضية الدافئة التي قضتها في معية مايكل. "انتابتها وعذبتها افكار. تذكرت موقد مايكل الدافئ ولحاف ثقيل وطعام ساخن”.
ولكننا نراها في كبرياء وتحد - بعد ان عادت الى بيت مايكل- تصرح "سأنتظر الى الربيع واهرب مجددا".
يسعى مايكل في البحث عنها ، وكانه الراعي الصالح يبحث عن الخروف الضال. وحين يعثر عليها يضعها بين خيارين ، ان تذهب لبراديس او ان ترجع الى كوخه. وكانه يردد ما يقوله الله لشعبه قديما "هانذا جعلت امامكم الحياة والموت..”(تث30: 19). يترك مايكل كامل الحرية ﻻنجل لتقرر. فتعود انجل من تلقاء نفسها بعد ان قارنت بين الضياع والذل الذي ستجده في براديس حيث صاحبة الماخور وخادمها مغوان.
"نمت النظرة المرتسمة على وجهها انها تنتظر ان يهزا بها”. لقد توقعت ان يوبخها ، يعاتبها، .. يعاقبها، ولكنه لم يفعل. وقديما صرخ النبي وكانه يتوقع عقابا شديدا من الله "ادبني يا رب ولكن بالحق، ﻻ بغضبك لئلا تفنيني"(ار10: 24). كانت طوال طريق العودة قد تصورته شامتا موبخا ساخرا، ممرغا كبرياءها الجريح.
حين عادت الى بيت مايكل صارعت المشاعر التي ثارت داخلها وقد انتظرت ان تتلاشى تلك المشاعر اﻻ انها ابت التلاشي بل بقيت وقويت. وتحت تاثير الحنان اتكات راسها على صدر مايكل كما اعتاد ان يفعل يوحنا الحبيب مع الرب يسوع. لقد استقر راسها اخيرا على صدر مايكل فسكّنت دقات قلبه الثابتة اعصابها المتوترة. 
ظلت على تلك الحال وقتا طويلا، اﻻ ان النعاس جافاها. فانكفات واستلقت على ظهرها تحدق الى السقف. وكانها عذراء النشيد تردد "انا نائمة وقلبي مستيقظ"(نش5: 2).
وفي ساعات الهجوع يبدا الله في التعامل مع النفس البشرية، فيكشف لها بالتدريج عن احساناته وبالتدريج عن ضعفاتها وخطاياها. 
قال مايكل: اتودين التحدث عن اﻻمر؟
عن اي امر؟
سبب رحيلك؟
ﻻ اعرف.
تلمس صفحة خدها وقال "بلى تعرفين".
فابتلعت ريقها بصعوبة، مقاومة مشاعر لم تستطع تحديدها "ﻻ اقدر ان اعبر عن ذلك بالكلام".
لف على اصبعه خصلة من شعرها وهو يقول “لما حملتك على لفظ اسمي.. لقد اردت النفاذ الى داخلك" واضاف بصوته اﻻجش "فهل نفذت؟"
“قليلا".
“حسنا" وتلمس وجهها باصبع واحدة "حبيبتي، المراة اما سور واما باب".
ضحكت ضحكة كئيبة ونظرت اليه ".
“اذا انا باب دخله الف رجل".
“ﻻ، بل انت سور، سور من حجر عرضه متر وارتفاعه ثلاثون. فلا استطيع ان اتسلقك وحدي تماما، اﻻ انني استمر في المحاولة".
في الحقيقة تشبيه الباب والسور ماخوذ من سفر نشيد اﻻنشاد "ن تكن سورا فنبني عليها برج فضة. وان تكن بابا فنحصرها بالواح ارز"(نش8: 9). “اختي العروس جنة مغلقة (بسور)”(نش4: 12). ولقد اختارت العروس التشبيه اﻻول فردت في المقطع التالي "انا سور.. وعليه ابراج ايضا". اذ يبدو ان تشبيه السور هو اﻻنسب، اما الباب الذي يبدو انه يشير الى ضعف العزيمة اذ هو عرضة لكل من يريد الدخول ويحتاج الى الواح ارز تحصره.
اضطجعت انجل بامان بين ذراعي مايكل وحلمت بسور عريض عال. راته هناك تحتها يغرس كروما، ما ان تلامس غروسها التربة حتى تنمو وتكبر ناشرة الحياة والخضرة على جانبي السور وغارزة محاليقها بين الحجارة فيما ملاط السور يتفتت.