الصفحات

19 نوفمبر 2015

الجحيم


وهذه الكلمات رأيتها مكتوبة بلون فاحم. في ذروة باب الجحيم:
" مدينة العذاب .. مدينة الالم الابدي.. مدينة القوم الهالكين.. لقد خلقتني القدرة الالهية والحكمة الازلية .. لم يخلق من يقدر على الخروج من قبضتي. اني باق الى الابد. ايها الداخلون، اطرحوا عنكم كل امل في الخروج ثانية". 
فقلت لدليلي: ان معنى هذه الكلمات لقاس على نفسي.
لم انهى كلماتي حتى دوت اصوات بكاء وصراخ وعويل في جو قاتم فأثار ذلك على التو الجزع فى قلبي.
لغات غريبة وصرخات رهيبة وكلمات اسى وصيحات غضب احدثت ضجيجا يدور على الدوام كذرات الرمل حين تعصف بها زوبعة.
قلت وقد هالني المنظر: ما هذا الذي اسمع؟ ومن هؤلاء القوم؟
اجابني: هذه الصورة البائسة التي تتخذها النفوس التعسة لاولئك الذين عاشوا ولم يسلكوا طريق الخير او الشر، فلم يعصوا الله ولم يطيعوه، ولذلك طردتهم السماء حتى لا ينقصوا من جمالها، ولفظتهم اعماق الجحيم حتى لا يكون لهم فخر على الاثمين. لم يخلفوا لهم ذكرا في العالم، وتزدريهم رحمة الله في السماء وعدالة الله في الجحيم تطلب قصاصهم. ولا تجوز لهم راحة لانهم لم يحفلوا في الدنيا بغير الاكل والنوم، والدائرة التي يدورون فيها اكبر دوائر الجحيم.
تلك النفوس المعذبة اصطكت اسنانها وجدفت على الله ولعنت النوع البشري والمكان والزمان واصل وجودها وميلادها. واختلط دمائهم بدموعهم. وتلاصقت كلها وهي تبكي بمرارة عند الهوة الملعونة التي ترتقب كل انسان لا يخاف الله.
بعد ذلك جاء الشيطان بعينين من الجمر يجمعهم كلهم. وكما تتساقط اوراق الخريف واحدة بعد اخرى، كذلك قذف الاشرار من سلالة ادم من هذه الضفة واحدا فواحدا كطير سمع النداء فلباه. لقد بعثت ارض الدموع ريحا عاتية ابرقت ضوءا احمر اللون فسقطت كرجل اغشى عليه.

ثم رأيت هناك اول انهار الجحيم واكبرها وتتألف مياهه من دموع المعذبين. ورأيت ايضا الفلاسفة الوثنيون .. وتساءلت :
- لم هم هنا ان كانوا ليسوا اشرارا؟
اجاب:
- انهم هنا ليس لانهم اشرار، بل لان فضائلهم لا تكفي. انهم لم يعبدوا الله كما ينبغي. وعذابهم الوحيد ان يعيشوا في شوق لا يحدوه الامل في الخلاص.
رأيت ايضا جماعة البخلاء عن اليمين والمسرفين عن اليسار، وكما تسقط الريح الاشرعة حينما تتحطم ساريتها كذلك سقطوا ..

ايه يا عدالة الله! من ذا الذي يقدر ان يدرك كل هذا العذاب والالم الذي رأيته؟ ولماذا تمزقنا خطايانا هكذا؟

ان من تسمو على كل شئ حكمته خلق السموات .. حتى يشع كل جزء نوره موزعا الضياء بالتساوي. كذلك في المباهج الدنيوية يحول المتاع من قوم الى قوم ومن اسرة الى اسرة وفرد الى فرد. انه - تبارك اسمه - يدبر ويقضي ويسهر على ملكه.
لكن عويلا طرق اسماعي. فقال لي فرجيل: الان نقترب يا بني من المدينة التي تحمل اسم ... بأهلها المكتئبين وبحشدها الكبير.
فقلت استاذي، اني اتبين بوضوح معابدها هناك في الوادي، محمرة اللون، كأنها خارجة من النار.
قال: ان النار الابدية التي تستعر في داخلها تجعلها تبدو هكذا.
وسمعت صوتا: من ذا الذي يسير في مملكة الموتى دون ان يذوق الموت.
قلت : يا دليلي العزيز اذا كان ممنوعا علينا ان نتقدم الى الامام فلنرجع معا عل اثارنا بخطى سراع.
فقال: لا تخف، بل هوّن عن روحك الواهنة وغذها بالامل.
وقد رأيت في اعلاه عنوان "المنون". وقفت اتسمع اذ لم تسعفني عينايّ للرؤية بعيدا في الهواء الاسود والضباب الكثيف. وما هي الا لحظات حتى سمعنا صوتا اشبه بريح عاتية تحطم الاشجار وهبط من السماء ملاك فهربت الشياطين كما تهرب الضفادع امام الافعي وتلتصق بقاع المستنقع. وفتح رسول السماء باب المدينة بضربة من صولجانه. 

كان هناك مستنقعا يحيط بالمدينة ينفث روائح كريهة. وامام المدينة بدا هناك سهلا وكان مملوءا من قبور الهراطقة من اتباع ابيقور الذين كان مبدأهم في الحياة "لنأكل ونشرب لأننا غدا نموت" وقد وضعت فيه توابيتهم وقد توهجت بألسنة اللهيب وهم يرسلون صرخات الألم. 

ثم قال فرجيل كلاما غير هذا ولكني لا اعيه في ذاكرتي، لأن عيني قد جذبت كل انتباهي نحو البرج العالي ذو القمة المحمرة.

وان امعنت النظر في كتابك ستجد بعد ورقات غير كثيرة ان الفن يتبع الطبيعة. ومن هذين الاثنين ، الفن والطبيعة – اذا استعدت الى ذاكرتك قصة الخلق- ستجد انه يجب على البشر ان يستمدوا حياتهم ويواصلوا تقدمهم من هذين الاثنين.

ثبت عينك على الوادي فها قد اقتربنا من نهر الدم الذي يغلي ماؤوه ويعذب فيه كل من يؤذي الاخرين بعنف. حرارته تستدر الى الابد دموعا وتسيلها شدة الغليان.
يا للجشع الاعمى! يا للغضب المجنون الذي يهزنا هكذا في الحياة القصيرة ثم يقذف بنا في الحياة الابدية على هذا النحو المرير كغصن اخضر يحترق احد طرفيه ويقطر الاخر ماءا، ويصدر صوتا كأنه يبكي بسبب النار التي تشتعل في احد طرفيه، وكذلك يصرصر من اثر الهواء الذي يخرج من الطرف الاخر.

انا الذي حملت الامانة للمنصب المجيد وكدحت في عملي حتى فقدت بسبب ذلك الكرى نبضات قلبي وقفت مبهوتا لا اقوى على الكلام.
ايها الانتقام الالهي، كم ينبغي ان يرهبك كل من يقرأ عما رأيت عيناي!

هكذا سقط الوهج الابدي الذي اشعل الرمل كما يقع الحجر تحت الزناد. 
كانت حركة الايدي البائسة دون انقطاع وهي تبعد الاحتراق المتجدد عن نفسها هنا وهناك.

نقلا عن رواية: الجحيم - دانتي اليجوري

18 نوفمبر 2015

رواية الجحيم



كتاب الجحيم هو احد اجزاء الكوميديا الالهية الثلاثة: الجحيم - المطهر - الفردوس. بطل الكوميديا الالهية هو دانتي نفسه التائه عند مفترق الطرق وسط غابة مظلمة تغصّ بالذنوب، ويصف في قصيدته هذه عالماً أبدعه في مخيلته، فيه مكان للخير، وكذلك للشر الذي يراه الشاعر نتيجة للعجرفة المفرطة في سلوك أول ملاك تمرد على حكمة الرب، ويرى دانتي أن مصدر الشر هو الإنسان ذاته، إذ يقول "إذا كان العالم الحالي منحرفاً وضالاً فابحثوا عن السبب في أنفسكم"، لأن الإنسان يبحث دوماً عن مصدر الشر فيما حوله منزهاً نفسه وملقياً المسؤولية على السماء. وتكمن المأساة، في رأي دانتي، في عقول الكسالى، فالمدانون في الجحيم هم أولئك الذين فقدوا القدرة على التفكير والإدراك والفهم. وهو عندما ينظر إلى أعماق الإنسان يرى أن قلبه يتآكله الحسد والبخل والطمع.. 

يتصور دانتي موقع الجحيم بعيداً عن الإله الذي يشع نوراً، ويتصور المطهر جزيرة صغيرة وسطها غابة تنبض بالحياة وترمز إلى فردوس الإيمان على الأرض، وصف دانتي الجحيم بانه تسع دوائر، وتسع طبقات في المطهر، وتسع طبقات في الفردوس. فهو يصبو في قرارة نفسه إلى رحلة ارتقاء روحي نحو الكمال يقوده فيها ڤرجيل الشاعر الروماني الشهير، ومن بعده باتريشيا، إلى العالم الآخر، بهدف التقرب إلى الخير الأعلى والسكينة الدائمة.
قرأت هذه الرواية لأني كنت قد قرأت من قبل رواية عنوانها "رسائل من الجحيم" واعجبتني جدا، اذ يتقمص الكاتب شخصية احد ساكني الجحيم ويرسل من هناك رسائل فيها عبر ودروس لسكان الارض.
لكن اللغة القديمة التي كتب بها دانتي وتغير الظروف عن الحاضر كثيرا، بالاضافة الى تضمنها اسماء وشخصيات ايطالية كثيرة غير معروفة لدينا، كل هذا جعل الرواية صعبة القراءة.
لقراءة وتحميل الرواية اضغط

17 نوفمبر 2015

باراباس


باراباس هو الرجل الذي جرى مبادلة الحياة والموت بينه وبين السيد المسيح، فصلب المسيح على تلة الجلجلة بينما اطلق باراباس حرا. المسيح البرئ بشهادة الوالي بيلاطس نفسه الذي قال "اني لا اجد علة للموت فيه"، بينما اطلق باراباس حرا رغم انه كان مستوجبا لحكم الاعدام بسبب اشتراكه في جريمة قتل اثناء فتنة حدثت في مدينة اورشليم.

وعلى الرغم من صغر حجم هذه الرواية (144 صفحة)، الا انها عميقة من حيث احتواءها على تأملات عميقة تثير الكثير من الأسئلة. باراباس، والذي يعتبر على نطاق واسع الشخصية الرئيسية للرواية التي خطها المؤلف السويدي والحائز على جائزة نوبل  عام 1951 ويدعى "بار لاغركفيست"، هو نموذج لقضية الإيمان. باراباس، برئ من تهمة القتل، واطلق حرا ليتمتع بالحياة في حين صلب يسوع عوضا عنه، ويقضي حياته مأخوذا بهذا الحدث الواحد. رغم انه "المحظوظ" ان جاز التعبير الا انه طوال فصول الرواية يظهر شاعرا بالضياع. ورغم انه نجا من الموت ونال الحياة، انه لا يمكنه إلا أن يشعر بان الحياة لا معنى لها.
ان باراباس طوال الرواية يكافح لقبول الإيمان بهذا الرجل المصلوب الذي كان يسمع كثيرا عنه. قال باراباس عن نفسه صراحة: "انا لا استطيع الايمان"، ولكنه رغم ذلك يصلي قائلا: "أريد أن اؤمن". في حين ان باراباس يريد بشدة أن يؤمن، الا انه لا يمكنه ذلك بسهولة. انه لا يمكنه استيعاب المعنى وراء وصية "ليحب بعضكم بعضا" رغم انها تبدو بسيطة لاخرين، لأنه لا يوجد لديه "فكرة الحب". لقد شاهد العديد من الأحداث القوية في تأثيرها، وهو يحاول إيجاد تفسيرات منطقية لها. كما انه لا يمكن فهم كيف يكون رجل عادي الله متجسدا، لماذا يسمح لنفسه الموت كالعبيد، وعلاوة على ذلك، لماذا يسمح لأتباعه ان يعانوا وأن ينفذ فيهم حكم الاعدام كذلك.
الرواية قوية ومؤثرة للغاية وبسببها بارلاجير كفست جائزة نوبل. انها رواية فريدة من نوعها اذ تقدم وجهة نظر عن الدين والإيمان تصل إلى القارئ بغض النظر عن أية معتقدات دينية شخصية.  ان فكرة الإيمان هي نبض هذه الرواية. بار لاجيركفست يضع الأساس إلى الايمان بالله بان يقدم لمحات بسيطة من الحجج المضادة: لقد استخدم مهارته الادبية بطريقة استثنائية. وهو يصيغ روايته في خضم زاخر من الصور في كل فصول الرواية.


كما تم انتاج الرواية كعمل سينمائي حديثا.

لتحميل الرواية اضغط هنــــــــــــــا 

رواية "بداية ونهاية"



رواية "بداية ونهاية" تتناول قصة عائلة مكونة من أم وأربعة أبناء حسن وحسين وحسنين ونفيسة وضعهم قدرهم بين الشقاء و الحيرة فى الدنيا. البداية هى موت الأب وبداية السقوط من غير عائل إلا الأم التى تحتمل ماتجده بحياتهم بجزع وصبر، إلى أن يصبحوا قدر المسئولية. والنهاية هى موت حسنين ونفيسة. فالبداية هى النهاية، اي الموت، كأنه العبث، فلم ترى هذه العائلة إلا المآسى والعذاب.
كل شخصية من الشخصيات لها طابع يميزها. الأم رمز التجلد والصبر، حسن رمز الضياع والاستهتار، حسين رمز العقل والحكمة، حسنين رمز التكبر والاستغلال، نفيسة رمز المغلوبة على أمرها و سوء الحظ. رسم نجيب محفوظ الشخصيات بفن وابداع ولم يخرج عنه طيلة الرواية. وأنتج بذلك رواية تدخل فى غمار الأسى والألم لأسرة تلطمها أمواج الحياة بقسوة وشدة، وهى مستسلمة لا تجد ما تفعله إلا مجاراة الحياة، عسى أن تجد شاطئ النجاة لترسو عليه وتنتهى أحزانها المستمرة. ولكن لا يوجد هذا الشاطئ فى ما حولهم وتدوم الأكدار إلى غير منتهى.