تنطق المعرفة في صدور الكتب بعد صوم دهري عن الكلام. فهي مخزونة هناك في صمت و ترقب لنابش متعطش، و لعاشق كتب ، ولضال موشك على الهداية. نجدها تعاهد الساعي لها، وتطرق باب الغافل عنها، وتتركه إحتراما لرغبته، ولها قوة يقين بقدرتها على إستعادته يومًا ما، تلك هي المعرفة المخزونة في كتب برادبري الذي يتبصّر بإن تكون الكتب يوما ستكون حبيسة في عقول البشر بعد عجزها عن الإرتصاص في رفوف المكتبات.
تدور أحداث الرواية حول أنه سيأتي على هذا العالم فترة يحرّم فيها تداول أو قراءة الكتب، لما فيها من أفكار تدعو البشر لأن يفكرون ويثورون ويختلفون. ويكون العمل الرئيسي هو إحراق الكتب، وإحراق أى منزل به كتاب.
المشهد الذي يرسمه برادبوري والذي يتكرر في كثير من أحياء مدينته المفترضة بطريقة ممسرحة تهدف إلى إرهاب الناس. الكتب مكدسة كأكوام كبيرة من الأسماك المتروكة لتجف، الرجال يرقصون ويتعثرون ويسقطون فوقها. أبخرة الكيروسين تغرق الكتب وتهيئها للمحرقة، يضخّون السائل البارد من الأوعية المربوطة على ظهورهم والمرقّمة 451. حيث يتهم من بحوزته كتاب بالهرطقة ويجرم ويعاقَب.
بطل الرواية يعمل كرجل حريق يحرق أى منزل به كتب. ثم يبدأ في احد الايام التفكير في الأمر، يحدث نفسه أنه لا بد من وجود أشياء في الكتب تجعلهم يحرقونها، لكن ما هذه الأشياء التي تجعل امرأة تفضل ان تبقى في منزل يحترق لتحترق مع كتبها على ان تحيا بدونها. وأن هناك من يمضي عمره ليدون بعضا من أفكاره وتأملاته في العالم والحياة من حوله في كتاب، ثم يأتي هو ويدمر كل شيء بسرعة ويحوله إلى رماد. يشعر باشتعال الحريق في ذهنه ويبقى متقدا مستعرا، يحاول إطفاءه دون جدوى، الى ان يقرأ ذات مرة كتابا، ومن ثم يقع تحت تأثير حب الكتب، ويبدأ بعدها في رحلة مناهضة لعملية حرق الكتب.
يختم الكاتب روايته بإطلاق صفّارة إنذار، حيث تنشب حرب شاملة تودي بالمدينة وتحرقها وتدمرها، ليكون الأمل في إعادة البناء والتأسيس بناء على ما يختزنه الهاربون من بطش النظام في صدورهم، وعقولهم ليكونوا هم التراث والمستقبل معا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق