جوناثان نويل عاش وقتاً بائساً في بداية حياته: وفاة والدته، اختفاء مفاجئ للأب، والأخت لاحقاً، خيانة زوجته، كل هذه الأحداث جعلته يقرر بأن الحياة مع الناس لا تناسبه "وأن المرء إذا أراد الهدوء والسلامة أن يبتعد عنهم"(ص7). لذا فانه يقوم بسحب كل مدخراته ويتجه إلى باريس حيث عاش في انعزال تام لثلاثين سنة. وفي أي أحد الأيام، من دون إنذار، يجد حمامة مجروحة أمام شًقته، كانت تنظر إليه وهي مُستلقية على الأرض غارقةً بدمها، هذا الموقف الذي جعل الرعب يدب في جوناثان ، هذا الموقف هو الذي قلَب حياة الرجل رأساً على عقب.
ماذا يقصد زوسكند برمزية الحمامة؟ إنها ديون وتراكمات الحياة أتت لتأخذ حقوقها، الحياة التي هرب منها واختبأ في شقته بعيداً عنها لمدة 30 سنة.
بعد يوم عمل متعب يصل جوناثان إلى فندق، لقد هرب من ملاذه الخاص، من شقته. يتناول عشاءه، ويعانق السرير ويهمس: "غداً اقتل نفسي". توازن حياته اختل ولم يعد قادراً على مواصلة العيش، عندما يستيقظ من أصوات الرعد العالية، يتوه في هلوسته ويُخيّل إليه بانه طفل، بأنه محاطٌ بالناس، بأهله. ربما أدرك بان للانعزال عواقبه، وأن الحياة لا تكون إلا مع البشر. إذن ما الحل؟ هل يكون الانتحار؟ خلال 30 عاماً كان جوناثان كالصنم الذي لا يتحرك. كان حارساً و "الحارس مثل أبي الهول، وفعله لا يكمن في القيام بشيء ما، بل في حضوره الجسدي"(ص35) جوناثان كان خارج نطاق الحياة. وإذا أراد أن يعيش عليه أن يسير، عليه أن يجري ويمشي . في المشي تكمن قوة شافية"(ص67)". وبعد أن يخرج في الفجر، وظننا بأنه في طريقه ليُنهي حياته، إذا به يسير بخطى خفيفة ومرحة، وبدل أن يتجنب برك الماء في الشارع، يتجه إليها، وتغوص قدماه بها، مستمتعا بنشر رذاذ الماء نحو واجهات المحلات، "توسخت" قدماه، لكن يبدو بأنه لم يعد يبالي. يذهب إلى شقته الحبيبة، ويقف على أخر الدرج قبل أن يدلف إلى الممر، يتنفس بعمق، ويمشي نحو شقته. قرر أن يعيش الحياة ، وأن يتحول من أبي الهول إلى إنسان يمشي. وبسبب هذا، اختفت الحمامة.
“المشي يهدىء الأعصاب ، في المشي تكمن قوة شافية. هذه الرتابة في تحريك قدم بعد الأخرى بإيقاع متزن مع التلويح بالذراعين على الجانبين، هذا التسارع في تردد النفس والنشاط الخفيف في النبض ، ذلك التوظيف الضروري للعينين والأذنين لتحديد الإتجاه والمحافظة على التوازن ، هذا الشعور بالهواء الذي يهف على الجلد، كل هذه أشياء تضطر الروح والجسد للتوحد بطريقة حتمية،وتترك الروح، حتى لو كانت في أشد حالاتها غياباً وتثاقلاً، تنمو وتتسع.”
===
موضوعات مرتبطة:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق