كان السيد تيد يقيم خلال الصيف في
منزله الهادئ بمدينة ماوث. في هذا المكان، كما يعرف الكثيرون، يعبر الناس النهر بواسطة
قوارب خاصة تحمل الركاب الى محطة السكة الحديدية. وتظل القوارب جاهزة لحمل الركاب من شروق الشمس وحتى مغيبها. في احد الليالي بين الثانية عشرة والواحدة
بعد منتصف الليل، استيقظ تيد فجأة. لقد سمع صوت بلهجة آمرة يتحدث اليه،
كان الصوت واضحا، حتى ان الكلمة الاخيرة ظلت ترن في اذنيه.
"اذهب الى المعدية"
راح يفكر لعله يكون حلم، وغرق في النوم
مجددا، عندما عاد الصوت ثانية يقول:
"المراكبي ينتظر"
كان ثمة شئ ما في الصوت الذي سمعه في المرة الثانية، جعل من
المستحيل الا يلحظه تيد. حاول تيد الا يطيع الصوت، جلس في الفراش لبضعة دقائق مستيقظا تماما. وفكر في نفسه: "انه من الغباء ان استيقظ في منتصف الليل من اجل صوت
وهمي، لاذهب الى رصيف المعديات حيث لن اجد اي قارب في هذا الوقت المتأخر، بغرض
اتمام شئ لا اعرف ما هو حتى الان". حاول تيد ان يصرف الفكرة من عقله لكنه لم ينجح. واحس
ان النوم، على اية حال، كان بعيد المنال. قام بالتمشية الى رصيف المراكب وعاد ولم يكن
بحاجة ان يخبر اي شخص عن رحلته. اخيرا قفز من الفراش، وارتدى ملابسه وانطلق.
قبل ان يصل الى الرصيف كان من المدهش ان يسمع
صوت المراكبي الخشن يناديه في الظلام ويتعجله.
"حسنا، انك جعلتني انتظر طويلا الليلة،
لقد انتظرتك قرابة الساعة"
بدا ان المراكبي ايضا قد تلقى اوامر هو ايضا،
لكنه لم يفكر انه من مصدر غير عادي. لم يجد اي مسافر على هذا الجانب من النهر، من
المحتمل انه استدعى من قبل شخص في مركب مبحرة وامر ان يعبر النهر.
قبل ان يصل تيدي الى الجانب الاخر كانت ثمة
فكرة قد استولت على عقله.
"اكستر، اكستر، اكستر!" كانت هي
الكلمة التي ترن في اذنه مثل جرس الباب. لقد عرف الان الغرض من رحلته الليلية.
ومهما كانت طبيعة هذا الهدف فلابد انه سينتهي عند منطقة "اكستر".
وبالتالي فالى اكستر ذهب في اول فرصة متاحة. كانت اكستر على بعد 8 او 10 اميال،
ووصل المدينة عند شروق الشمس تقريبا.
الان، ولاول مرة، لم يكن يعرف ما عليه ان
يفعله. كل الافكار والمشاعر قد اختفت. تجول في المدينة بلا هدف، والقى اللوم على
نفسه بشدة. الان اعتبر الامر كله محض اوهام وتهيؤات، ولكنه خفف عن نفسه بفكرة انه
في هذه الساعة المبكرة لا يوجد اي شخص يعرفه يسأله اسئلة فضولية عن سبب وجوده
بالمدينة. قرر تيدى ان يعود الى مدينته باول قطار، لكن في اثناء ذلك بدأت المتاجر
والمنازل تفتح ابوابها، وعندما وصل الى احد الفنادق دخل وطلب افطارا.
كان النادل بطيئا جدا في احضار وجبة الافطار
له، لكنه اعتذر قائلا ان سبب تأخيره هو ان الفندق مزدحم على غير العادة بسبب ان
كثير من الناس في "اكستر" اليوم بسبب القضايا التي تنظر في
المحكمة.
لم يسمع تيدي عن هذه المحاكمات كما انه لم
يشعر باهتمام تجاه هذا الامر. لكنه رأى اهتمام النادل بزيارة القاضي كحدث على درجة
كبيرة من الاهمية، وعندما حث النادل ان يحدثه بشأن هذه المحاكمات، قوبل بتاريخ مسل
عنها مما اثار اهتمام تيدي بها، وهكذا فبدلا من العودة الى اكسماويث في اول قطار،
تمشى حتى مبنى المحكمة ودخل وجلس في قاعة المحكمة.
المحاكمة التي بدأت للتو كانت مثيرة بطريقة
غير معتادة. كانت بشأن شخص متهم بريمة قتل. لم يكن احد في الواقع قد رآه يرتكب
الجريمة، لكن مما قاله الشهود، بدى انه من المؤكد انه مذنب. كان الامل الوحيد لدى
المتهم هو اثبات ان الشهود جميعا يتحدثون عن الشخص الخطأ، واظهار انه لم يكن موجود
في مكان الجريمة في وقت حدوثها.
عندما طلب اليه ان يدافع عن نفسه، اجاب
بهدوء:
"من المستحيل ان اكون ارتكبت هذه
الجريمة، لانه في اليوم وفي الساعة التي حدثت فيه، ارسلت من قبل الشركة لاصلاح
نافذة منزل السيد ج. في منطقة م. يوجد شخص واحد ذو جاه" اضاف بعد لحظة صمت،
" من يقدر ان يثبت انني كنت هناك، لكنني لا اعرف من هو، ولا اين ابحث عنه.
نعم، انا اعرف انه يمكنه ان يثبت انني غير مذنب. يوجد سبب منطقي يجعله يتذكرني.
لكني لا اقدر ان افعل اي شئ حيال الامر. الله وحده يقدر". بدا الرجل المسكين
مستسلما لقدره.
كل هذا الوقت كان السيد تيد. ينصت باهتمام
عميق، وعندما انهى السجين دفاعه الحزين اليائس. رفع السيد تيد. رأسه فجأة ونظر بعناية اليه. وعندما وقعت عيناه
على ذلك الوجه الحزين المنهك، توالت عدة حوادث على ذاكرته. كانت احداث بدت بسيطة
عندما وقعت، لكنها الان هامة اذ عليها تعلق حياة شخص.
وما حدث هو ان السيد تيد ، كان قد ذهب قبل
عدة اشهر، ليزور صديق في منطقة منهاتن كان الصديق خارج المنزل، لكنه املا ان يراه،
انتظر لحين عودته. ولهذا فقد ذهب الى مكتبة صديقه، ناويا ان يصرف الوقت في قراءة
كتاب. لكنه وجد هناك شخص يصلح النافذة، وبدلا من ان يقضى الوقت في القراءة وقف
بجوار عامل الصيانة لعدة دقائق يراقبه ويتحدث معه بخصوص عمله.
وبينما هو يفعل ذلك، ذكر العامل شئ استدعى ان
يدونه السيد تيد، مما جعله يخرج مذكرة من جيبه ولكنه لم يجد قلمه. حينما رأى
العامل ذلك اخرج قلما رصاص واعطاه له وقال له انه بامكانه الاحتفاظ بالقلم.
كل هذه الاحداث جالت في ذهنه بوضوح كما لو
انها قدحدثت بالامس. بسرعة اخرج مفكرته من جيبه فوجد انه مدون بها الكلمات التي
كتبها انذاك بالضبط بما فيها تاريخ اليوم.
في الحال اخبر هيئة المحكمة بالامر. تم فحصه
كشاهد، وتبين براءة المتهم ومن ثم اطلق سراحه
اسم القصة: Call to The Rescue
تأليف: Henry Spicer
ترجمة: بشرى رشدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق