"ظل الجليلي" هي رواية خيالية عن شخص يدعى أندراوس، و هو تاجر يهودي يعيش في فلسطين في القرن الأول. بعد اعتقال الرومان بسبب وجوده في مظاهرة ضد بيلاطس ، اضطر إلى الاختيار بين ان يحاكم ، للاشتباه في علاقاته مع المتمردين (و منهم بنّوس و باراباس) أو ان يجمع المعلومات حول مختلف الحركات اليهودية التي قد تكون تهديدا للسيادة الرومانية في الأرض. اختار أندراوس الخيار الأخير وقرر لصالح اليهود نقل المعلومات التي قد تكون موضع اهتمام الرومان وفي نفس الوقت لا تدين اليهود. ومن خلال اللقاءات المتكررة مع الضابط ميتيليوس الروماني ، يقدم تقاريره الاستخباراتية .
خوفا من عداء الإسينيين تجاه الهيكل وصعوبة التحقق من انتماءاتهم السياسية ، قرر الرومان إرسال اندراوس لاكتشاف المزيد عن هذا المجتمع السري . وفي رحلة عبر البرية المحيطة بالبحر الميت توجه أندراوس ورفيقه باروخ - وهو اسيني منفي- الى حيث يقطن الاسينيين. ومن خلال باروخ حصل على ما يكفي من المعلومات لصياغة التقرير. تجاهل اندراوس في تقريره كراهية إلاسينيين لروما، وقدم معلومات تفصيلية عن الشؤون الدينية و ممارسات الزواج، وذكر عنهم انهم يتبعون تقويما مختلفا و لا يزالوا يدفعوا ضرائب للهيكل .
إعدام يوحنا المعمدان فضلا عن النشاط الارهابي في الآونة الأخيرة للإرهابيين في المنطقة يوفر سببا لارسال أندراوس في مهمته التالية: وهي تحديد أي تهديد قد يشكله يسوع على الحكم الروماني. سعي اندراوس للحصول على اجابات لهذه الاسئلة قاده إلى الناصرة حيث يلتقي بزوجين يفتقدان أبناءهم ، اثنين بسبب العمل والثالث بسبب دعوة يسوع له. بعد هذا تم اختطافه من قبل بعض الغيورين (المتعصبين) حيث يتعرف على الظلم الذي قاد العديد من الشباب للانضمام إلى هذه المجتمعات المتمردة . يزور أندراوس بعد ذلك عائلة ماتياس ، حيث تتوقع ابنته المريضة ان يأتي يسوع و يشفيها ، وبينما هو هناك يشارك في الجدل اللاهوتي مع حاخام و كاتب . مرورا بجامع للضرائب (عشّار بحسب تعبير الانجيل) ويتحدث مع رجل يشغل وظيفة لاوي (مساعد للكاهن) و يتعرف على المشاكل التي تؤرقه، وهي ان حفنة من المتسولين يتوقعون الصدقات بسبب الأمل الذي بثه فيهم يسوع . هذه الأحداث تبلغ ذروتها في المحادثة بين أندراوس و أصدقائه يونا وخوزي . خلال هذه المحادثات تبين أن يونا بدون علم زوجها - والذي هو من الصدوقيين- أصبحت من أتباع المسيح .
تأثرا بهذه الشخصية الجذابة بعيد المنال ، ينطلق أندراوس لكتابة تقرير عن يسوع الذي من شأنه يكون حماية ليسوع من غضب الرومان. يعرف فيه الجليلي على انه شاعر ، ونبي وفيلسوف متجول ، ويسعى أندراوس لإخفاء يسوع الذي يبشر باعلاء الضمير على التنظيم والقوانين ، والذي يرفع من احترام الجماهير فوق القوى الحالية. يقدم هذا التقرير إلى ميتيليوس ، ويقترح أندراوس فيه الوسائل التي تحد من التوترات ومنها: العفو الكامل عن الأعمال الإجرامية ضد الدولة ، و ترك الديون و تسوية للمعدمين. وفي تقديم هذا الاقتراح هو يأمل في الفوز بحرية صديق مسجون ، وخلق مجتمع أكثر إنصافا وتصوير يسوع بوصفه نافعا ، ولا يضر بمصالح الرومان . يؤدي هذا الاقتراح إلى لقاءه مع بيلاطس الذي يفند وجهة نظرة أندرياس و يتهمه بانها مجرد أداة لقياس مشاعر الناس ويخبره بأن يسوع واثنين من المتمردين الثلاثة الذين تم القبض مؤخرا يواجهون عقوبة الإعدام . بعد الصلب كان لأندراوس حوارا اخيرا مع ميتيليوس (و هو الآن مؤمن بالله) حول ما تسبب في موت المسيح . أندراوس اصبح مكتئبا الان ويتلقى كلمة من باراباس حول الدين الذي يدين به هذا الغيور الشاب للمسيح ، ويكتشف ان باروخ قد انضم الى اليهود الذين امنوا بالمسيح يسوع و يحلمون بان ابن الإنسان سيهزم الوحش (قوة ونفوذ الرومان). بالتعرف على انتصار المسيح على الموت و القبر ، أندراوس ينضم الى باروخ في العضوية المسيحية.
"ظل الجليلي" كتاب ممتع و أنا أقدر محاولة تيسن ان يلقي الضوء على الخلفية التاريخية لفلسطين في القرن الأول ضمن سياق عمل من وحي الخيال . بذل جهده في صياغة السياق الذي يمكن للقارئ ان يواجه فيه الحقائق التي ينالها من دراسة الكتاب المقدس بطريقة واضحة و سهلة. كانت قدرة المؤلف جد عميقة فى صياغة المجتمع في الناصرة و فرقة المتعصبون والناس و الأماكن. بحيث يكون في كثير من الأحيان حينما أقرأ عن رفض يسوع في الناصرة بوصفها نتاجا لقلوب عنيدة وعدم رغبة السكان لمعرفة الحقيقة التي تتكشف أمام أعينهم.
نقد الرواية:
امين مرعي
في هذه الرواية نتحقق من التآلف بين العِلم والفن، بين حقيقة التاريخ والعرض القَصصي الذي اعتمده المؤلِّف في لباقة ودراية ومهارة. التزم الدقة والأمانة في السرد والإخبار، ولم يُسِئْ إلى الحقيقة التاريخية، بل مَهَرَها بالنداوة، وزيَّنها بألوان زاهية، مع التعمق في جلائها، فأضحت أقرب إلى الاستيعاب والفهم. كما أن في استطاعة القارئ أن يميِّز بين الوهم والواقع؛ فالأحداث الخيالية مبنية على مصادر تاريخية، وما رُوِيَ عن يسوع مدعوم بالوثائق والقرائن.
و من خلال التزاوج بين الموضوعية والذاتية، بين حقيقة العِلم والإبداع القصصي الفني، يقدم إلينا الكاتب صورةً ليسوع واضحة وحقيقية ونابضة بالحياة، اعتمد فيها الدقة والأمانة، وهي تلائم تماما البحوث الحاضرة. لا شك في أن حبكة القصة مختلفة، لكن الإطار التاريخي واقعي تمامًا. وبذلك نرانا في الحقيقة في عهد يسوع زمانيًّا ومكانيًّا: ها هي خريطة فلسطين تُعرَض لنا بجغرافيتها الكاملة، بسهولها ووديانها وتلالها وكهوفها، دقيقة مفصَّلة. ها هي ديموغرافية البلاد تتجلَّى أمامنا في وضوح، فنتعرف إلى شعب فلسطين في تلك الحقبة، بعاداته وتقاليده ومعتقداته، وإلى المجتمع اليهودي، بمختلف فئاته الدينية والسياسية والاجتماعية، بانتفاضاته التحررية من الاستعمار الروماني، كما نتعرف إلى حكام البلاد ومستعمريها، بتسلطهم وجورهم ودسائسهم ومحاولاتهم الاستيلاء على ثروات البلد ومناوراتهم للكسب والاستغلال. من خلال الأخذ والردِّ والحوارات واللقاءات، نجدنا في صميم الحدث؛ بل ينتقل الحدثُ إلينا – فإذا يسوع في عالمنا الحاضر، وإذا بنا في حضرته. فالتغلغل في القِدَم، والتعمق والتوسع في الدراسة، واستعراض المشاهد التي تعاقبت، واستعادة الأجواء التي كانت سائدة في ذلك العصر – هذا كله ساهم في تلمس الوقائع والحوادث عن كثب، مما أدى إلى تكوين صورة كاملة عن حقيقة يسوع – الإله المتأنِّس – انتقلت إلينا عبر عشرين قرنًا بخطوطها وألوانها".