6 ديسمبر 2020

بلد العميان

روايةة(بلد العميان) من روائع  الأدب العالمي ، للكاتب (هـيربرت . ج . ويلز) .
طبعت لأول مرة عام 1936 وما زالت تطبع حتى الآن .
 
هي قصة خيالية ، يحدثنا فيها المؤلف عن مرض غريب ، انتشر في قرية نائية معزولة عن العالم تقع في جبال الأنديز ، فأصاب المرض سكان القرية بالعمى ..

ومنذ تلك اللحظة ، انقطعت صلتهم بالعالم ، ولم يغادروا قريتهم قط ، فتكيفوا مع العمى وأنجبوا أبناء عُميان ، جيلا بعد جيل ، حتى أصبح كل سكان القرية من العميان ، ولم يكن بينهم مبصر واحد ..

وذات يوم ، وبينما كان متسلق الجبال (نيونز) يمارس هوايته ، انزلقت قدمه ؛ فسقط من أعلى القمة إلى القرية . لم يُصب نيونز بأذى ..
إذ سقط على عروش أشجار القرية الثلجية .. 

وأول ملاحظة له كانت أن البيوت بدون نوافذ ، وأن جدرانها مطلية بألوان صارخة ، وبطريقة فوضوية ..
فحدث نفسه قائلاً : لا بُد أن الذي بنى هذه البيوت شخص أعمى ..

وعندما توغل إلى وسط القرية ، بدأ في مناداة الناس ، فلاحظ أنهم يمرون بالقرب منه ولا أحد يلتفت إليه ، هنا عرف نيونز أنه في (بلد العُميان) ..

فذهب إلى مجموعة من أهل القرية ، وبدأ يعرفهم بنفسه : من هو ، وماهي الظروف التي أوصلته إلى قريتهم ، وكيف أن الناس في بلده (يبصرون) ..

وما إن نطق بهذه الكلمة حتى انهالت عليه الأسئلة : ما معنى يبصرون ؟ وكيف ؟ وبأي طريقة يبصر الناس ؟ سخر القوم منه ، وبدأوا يقهقهون ..
بل ووصلوا إلى أبعد من ذلك ، حين اتهموه بالجنون ، وقرر بعضهم إزالة عيون (نيونز) ، فقد اعتبروها مصدر هذيانه وجنونه ..

لم ينجح بطل القصة (نيونز) في شرح معنى البصر ، فكيف يفهم من لا يبصر ، معنى البصر ؟ فهرب قبل أن يقتلعوا عينيه ، وهو يتساءل :  كيف يصبح العمى صحة ، بينما البصر مرضاً ؟! .

"بلد العميان" هو : كل مجتمع يسوده الجهل والفوضى والفساد والتخلف والفقر والعنف والتعصب ، بسبب أفكار غير صالحة ومُهيمنة عليه ، وأي دعوة تنويرية تواجه برفض وريبة وعنف ..

بلد العميان هذا ، هو : كل مجتمع تسوده الطائفية ، وكره الآخر المختلف ، والتبرير لإيصال الأذى لكل من أختلف ..

بلد العميان هو ذلك المجتمع الذي يوجد فيه أفرادا جل همهم ماذا يأخذون منه ، لا ماذا يقدمون له ..

30 أبريل 2020

العذاب الاحمر

اسم الكتاب: العذاب الاحمر
تاليف: ريشار وورمبراند

كلمة عن المؤلف:
في عام 1945 عندما استولى النازيون على رومانيا ، وابتداوا يضعون ايديهم على الكنائس، ابتدا ريتشارد ورمبراند فورا خدمة قوية وفعالة تحت الارض لاجل شعبه المستعبد. فقبض عليه سنة 1948، كما قبض على زوجته سابينا والتي عملت 3 سنوات في معسكرات السخرة..
بعد 8 سنوات افرج عنه واستانف عمله ، فاستانف عمله السري مرة اخرى. وبعد عامين اي عام 1959 قبض عليه ثانية وحكم عليه بالسجن 25 عاما. وفي سنة 1964 صدر عفو شامل . فاستانف عمله للمرة الثالثة اي خدمته تحت الارض. ونتيجة للخطر البالغ، اذا دخل السجن مرة ثالثة. عمد المسيحيون الى صفقة مع الشيوعيون. وكانت كفالة خروج السجين من رومانيا 1900 دولار ولكن كفالة ومبراند 10000 دولار.

تمهيد:
شهور مضت من الحبس الانفرادي. الآم جسدية ونفسية وذهتية رهيبة مر بها ورمبراند لمدة 14 عاما. واحدة من انبل القصص في الايمان والاحتمال – رحلة حمل الصليب مع الرب يسوع.

جوع روسيا وعطشها للمسيح:
لقد نشأت في عائلة ليس لها اية ديانة – ففي صباي لم احظ باي تعليم ديني وفي الرابعة عشرة كنت ملحدا متقسيا. عرفت الفقر في سني الحرب العالمية الاولى- قرات كتبا الحادية كثيرة، ولم يكن الامر اني لم اؤمن بالمسيح بسبب قراءاتي هذه، ولكن كان عدم ايماني ناشئ من بغضي للمعتقدات المسيحية معتبرا اياها مؤذية للذهن الانساني. لذلك كان في مرارة تجاه الدين.
لكن رغم اني كنت ملحدا فقد كان شئ ما يجذبني نحو الكنائس. وعلى كل حال لم اكن افهم ما يحدث داخل الكنائس. فقد كنت واثقا انه لا يوجد اله. .
كنت اعرف انه لا يوجد اله – ولكني كنت حزينا لان اله المحبة هذا غير موجود. وذات مرة اثناء صراعي الداخلي دخلت كنيسة كاثوليكية فرايت  اناسا راكعين ويقولون شيئا خافتا ففكرت في ان اركع بجانبهم وانصت الى صلواتهم وارددها وارى اذا كان هناك شئ يحدث لقد كانوا يصلون "السلام لك يا مريم يا ممتلئة نعمة" فرددت وراءهم نفس الكلمات مرة تلو لاخرى، ونظرت الى تمثال العذراء ولكن شيئا لم يحدث – فكنت حزينا لذلك. وفي يوم صليت الى الله – وكانت صلاتي شيئا مثل – يا الله اني اعرف يقينا انك غير موجود. ولكن اذا كنت بالصدفة موجودا – وهذا ما انكره بشدة فانه من شاني ان اؤمن بك – ولكن من شانك انت ان تظهر لي ذاتك.
وفي ذلك الوقت – كما اكتشفت فيما بعد – في قرية من جبال رومانيا كانت صلاة نجار عجوز هكذا:
"يا الله – لقد خدمتك على الارض – ومكافاتي ان لا تدعني اموت قبل ان اتي بشخص يهودي لمعرفتك، لان الرب يسوع كان من اليهود. لكني فقير ومسن ومريض ولا استطيع ان اذهب لابحث عن شخص يهودي. فات بواحد يهودي الى قريتي وساعمل اقصى جهدي لكي احضره للمسيح.
ورغم ان في رومانيا 12 اف قرية. لكن شيئا ما دفعني للذهاب الى تلك القرية عينها. وعندما عرف اني يهودي اكرمني ذلك النجار. اعطاني الكتاب المقدس لاقراه – كان نوعا غريبا – مكتوبا ليس فقط بالكلمات بل متاججا يلهب القلب – لم اكن استطيع ان اقرا كثيرا. كنت فقط ابكي تاثرا منه.
ثم تجدت زوجتي بعدي بوقت قصير. واتت هي الاخرى بنفوس كثيرة للمسيح.
حينئذ جاءت حقبة النازية. وكان علينا ان نعاني كثيرا. ففي رومانيا اخذت النازية شكل دكتاتورية عناصر ارثوذكسية متطرفة اضطهدت البروتستانت كما اضطهدت اليهود.

30 مارس 2020

قراءة في رواية: الطاعون

ومنذ ذلك الحين وقد طال خجلي.. اجل، ظللت على خجلي ، وتعلمت ذلك، تعلمت اننا كنا جميعا في الطاعون، وفقدت الطمأنينة والسلام. وما زلت اليوم ابحث عنهما. محاوﻻ ان افهم الجميع واﻻ اكون العدو المميت ﻻي منهم. وانما اعلم ان علي ان اعمل ما ينبغي ان اعمل كي ﻻ اكون بعد مصابا بالطاعون، وان هذا وحده – الخجل (ومجاراة التيار) يجعلنا نامل السلام، او موتا شريفا بدلا منه.. 
ومن اجل هذا ايضا، ﻻ ارى هذا الوباء يعلمني شيئا، اﻻ ان من الواجب محاربته الى جانبكم. انني اعرف معرفة اكيدة ان كل انسان يحمل في جلده الطاعون، ﻻنه ليس ثمة في الدنيا من هو معصوم منه (يقصد جرثومة الشر). وان على اﻻنسان ان يراقب نفسه من غير انقطاع حتى ﻻ يتنفس، ذات لحظة من لحظات الشرود، في وجه انسان اخر، فيلصق به العدوى. 
فالطبيعي هو الجرثومة. اما الباقي، الصحة والكرامة والصفاء فهي نتيجة ﻻرادة، ﻻرادة ينبغي اﻻ تقف ابدا. ان الرجل الشريف، ذلك الذي ﻻ يعدي احدا تقريبا، هو من يملك اقل الوسائل الشرود واللامباﻻة. وﻻبد من ارادة حتى ﻻ يشرد المرء – اجل - انه لشاق جدا ان يكون احدنا مصابا بالطاعون، ولكن اﻻشق، هو انه ﻻ يريد ان يصاب به (اذ عليه ان ياخذ احتياطات مرهقة ﻻ تنتهي). من اجل هذا ، ترى بعض الذين يريدون اﻻ يكونوا مصابين يعانون تعيا مفرط ﻻ ينقذهم من الموت على اية حال، ولن يحررهم منه سوى الموت ذاته. 

عن رواية الطاعون، البير كامو

23 مارس 2020

فابيولا ٢

كان الدم يغلي في عروقي. وسمعت صوتا يهتف بي في اعماقي قائلا:
يا جبان.. تقدم واثبت له انك لست كذلك. وشعرت بان فيّ  قوة عشرة رجال، ووددت لو امسكت به، وخبطت به اﻻرض. وكانت هذه احرج لحظات مررت بها في حياتي..
وماذا فعلت بي يا بني؟
لقد انتصرت يا امي على هذا الروح الردئ. وتذكرت سيدي المبارك في بيت قيافا والجند يحيطون به ساخرين ضاحكين مستهزئين يضربون ويتفلون على وجهه. فقلت في نفسي، هل العبد افضل من سيده، ام التلميذ افضل من معلمه؟ وهكذا رفعت يدي الى السماء وفي هذه اللحظة تقدم كسيانوس الذي كان يرى كل شئ من بعيد. ولما رأوه تفرقوا مبتعدين. ولكن طلبت منه بحق اﻻيمان اﻻقدس المشترك بيننا ان يترك هذا الشاب وﻻ يمد اليه يدا. اﻻ ترين يا اماه ان هذا اليوم يستحق ان يكون اسعد يوما في حياتي؟

حفلة التكريس

واسدل الليل ستاره على مدينة روما، ودلفت الى البيت خادمة عجوز، واشعلت في هدوء الثريات والسرج وانسحبت كما اتت، والقت السرج ضوءا على الشخصين الجالسين في صمت، وهما يتطلعان احدهما الى اﻻخر، فلم ترد اﻻم بعد ان اكمل ابنها قصته، اﻻ ان تنحني عليه وتقبله.. كانت تجيش في صدرها مشاعر متباينة. لم تكن هذه المشاعر هي مشاعر ام ترى ابنها نجح في امتحان قاس صارم، فهي تستطيع ان تفخر بابنها اما شيوخ الكنيسة، كما افتخرت ام من قبل بابنها امام مجلس الشيوخ الروماني.
ولكن المشاعر التي تجيش في صدرها اعمق من هذا. وكانت هذه لحظة انتظرتها منذ سنين طويلة، واعدت العدة لها بدموع وطلبات كثيرة. فكم من ام كرست ابنها من المهد ﻻقدس واسمى هدمة في الوجود : الخدمة امام المذبح.. وروت نبتة القداسة في حياته بدموع عينيها..

واغمضت اﻻم القديسة عينيها ورفعت قلبها بصلاة قلبية عميقة.. ثم قطعت لوسينا حبل السكون قائلة له:

لقد اتى الوقت يا ابني الذي كنت اعد نفسي له  وكنت اتطلع اليه منذ امد بعيد.. ها انا اراك اليوم ووجهك صوب صهيون وقد ادرت ضهرك الى مدينة اﻻباطيل وشعارك "حاشا لي ان افتخر اﻻ بصليب يسوع المسيح". لقد كنت انتظر هذه الساعة التي يختبر فيها ايمانك.. وها قد اجتزت اﻻختبار بنجاح.. ويحق لي ان اقول بفرح انك ابن الشهيد، وان نصيب اثنين من روح ابيك قد حل عليك.
وتمتم الصبي في دهشة:
يا اماه ماذا فعلت حتى تخاطبيني هكذا؟
اسمع يا ولدي: لما كنت طفلا كطفل كنت تتكلم وكطفل كنت تفطن وكنت تفكر.. وها قد اصبحت رجلا وينبغي ان تبطل ما للطفل..
ماذا تقصدين يا امي؟

(يستكمل)

14 مارس 2020

رواية فابيولا


رواية فابيولا من تألبف وايزمان. وقد كان له ٣ روايات من نفس السلسلة. وهي روايات تحكي ناريخ المسيحية بدءا من حياة السيد المسيح وحتى القرن الرابع.

قراءة في الرواية:
اليوم: احد ايام سبتمبر عام 302 م
البلد: روما
اليوم صحو والشمس قاربت على المغيب، ولكننا لم نكن الوحيدين هناك ، فالجماهير تتدفق من المنازل متجهة صوب حدائق القيصر .. اما المكان الذي نحن بصدده فهو يقع في المكان الذي تحتله اليوم كنيسة سان مارسيليوس 
ها نحن اﻻن في الدهليز المؤدي الى داخل القصر، وقد نقشت على ارضه الرخامية كلمة "مرحبا" وها نحن نتقدم الى الغرفة اﻻولى في الدار، والتي تحيط بها اﻻعمدة الرخامية، وتقسمها الى صالة وسطى وجناحين جانبيين.
وفي وسط الصالة توجد فسقية دائرية من المرمر تنبثق من وسطها المياه في شكل نافورةن وﻻ تلبث تنكسر رذاذا رقيقا فوق اوان من المرمر تنبت بها الزهور النادرة. 
في وسط الردهة جلست سيدة جليلة، يبدو انها لم تجاوز العقد الرابع من العمر، ولو ان ملامحها ﻻ تبين ذلك، كان الحزن يبدو في تجاعيد وجهها، وفي اسلاك الفضة التي انتشرت في شعرها، ولو ان السلام العميق الهادئ كان يطبع طابعه على مظهرها السمح. كان يبدو من مظهرها البسيط وملابسها العادية وخلو يديها من اﻻساور والخواتم، وعدم اهتمامها بتغطية راسها، انها ﻻ تهتم بما تهتم به نساء عصرها من الزينة والتبرج. ولم يكن يميز ثوبها البسيط اﻻ الشريط القرمزي الذي يشير الى كونها ارملة. ولم يكن يميز جيدها اﻻ سلسلة رقيقة من الذهب تحمل صورة تخفيها في صدرها. وكانت تدعى لوسينا. 
انها مشغولة ومستغرقة فيما تفعل. تمسك بين يديها قطعة من قماش وتطرزها بخيوط من ذهب. ثم تمد يدها بين الحين واﻻخر الى علبة من المرمر وتلتقط لؤلؤة نادرة او ماسة متلالئة وتسلكها ضمن خيوط القماش.
ويستبد بها القلق فتتطلع الى مدخل المكان وكانما تنصت الى وقع اقدام ليست هناك. وترفع حينا راسها لتشاهد غروب الشمس من فتحة بالسقف. ثم يزداد اضطرابها فتهب واقفة. ولكنها قبل ان تخطو الى الخارج تسمع وقع اقدام قوية قادمة. ويشرق محياها وهي تلتقي بالشخص القادم.

ابن الشهيد:
لم يكن ذلك الشخص القادم سوى صبي صغير يتقدم الى الداخل بكل خفة ونشاط، ولم يكن قد تجاوز الرابعة عشرة من من العمر، ولو ان مظهره كان يشير الى انه اكبر من ذلك. كان يتبعه الخادم يحمل الرقوق. الشئ الذي يدل على انه قد عاد للتو من المرسة..
وبدع ان احتضنته امه وقبلته وجلس عند قدميها. بدات تنظر وكانها تستفسر عن سبباب غيابه. ولكنه قابل نظراتها القلقة بابتسامة من الثقة جعلتها تطمئن قليلا. وبعد برهو قالت: ما الذي سبّب تاخرك يا ولدي العزيز؟ ارجو اﻻ يكون هناك ما يكدر..
كلا يا امي الحلوة. كل شئ سار على ما يرام.
ثم ضحك ضحكة صافية وقال:
اظن انه ينبغي ان اخبرك بكل شئ. لقد قرات منذ مدة ان السكيثيين لهم عادة ان يضعوا في اناء حجرا ابيض اللون لليوم السعيد. وحجرا اسود لليوم الكئيب. ولو قدر لي ان اعمل ما يعملون، فلست ادري اي انواع الاحجار اضعه ليومي.
ثم نظر اليها بحب:
قولي بالحقيقة. هل تودين ان تعرفي ما حدث لي اليوم.
اخبرني بكل شئ. ان امورك الخاصة تهمني قبل ان تهمك.
حسنا. لنبدا من البداية. يسرك ان تعرفي انني نلت اكليل النصر في الخطابة في موضوع اختاره معلمنا الطيب "كسيانوس" وكان عنوانه "الفيلسوف الحقيقي ينبغي ان يكون مستعدا للدفاع عن الحق حتى الموت". كانت خطب زملائي اقرب الى الجمود، وما العجب في ذلك؟ فاي حق يمتلكونه حتى يدافعون عنه؟ وما ابعد الفارق بين المسيحي وغير المسيحي بالنسبة لهذا الموضوع! لقد كانت حواسي كلها تلتهب بنار ووجداني يتاجج بلهيب غريب. وانا اكتب واكتب واحاديثك الحلوة تطن في اذنيّ.. وحينما جاء دوري ووقفت على منصة الخطابة وجدت نفسي بدلا من اتحدث عن الفيلسوف اتحدث عن المسيحي وهو يدافع عن ايمانه ولو للموت. 
صمتت برهة ثم قالت:
- فلماذا تاخرت؟
- كان بين الطلبة طالبا قويا .. ﻻحظته يعض على شفتيه غيظا..
- وماذا فعل بك يا ولدي؟
- لم يضرني كثيرا يا امي. ولكنه كان السبب في تأخري
(يستكمل)

25 فبراير 2020

ايام زمان


قراءة في رواية "ايام زمان"، تغريدة الشعب الواحد
تأليف: ا.د/ انطون يعقوب ميخائيل- 2011
عانى الخواجة حنا صدمة قاسية قبل بضعة شهور، واجهها بعد عودته من خدمة تطوعية في الادارة التعليمية، مع بعض زملائه، استمرت اسبوعين وسط القرى والنجوع في ضواحي مدينته..
مرت الايام ثقيلة وهو يئن تحت وطاة البطالة وتضاعفتالايام لتصير شهورا وسنينا. وكانت ازمة طاحنة تعصف ببلده وبالعلم كله. بينما ازدادت حالات الافلاس وتنوعت مظاهر الفقر، وانتشرت القلاقل وخرجت التظاهرات ولعلع الرصاص في الطرقات، انفتحت الابواب لظهور طبقة فاحشة الثراء. طفى بعض عناصرها من قاع المجتمع ومعه عاداته وقيمه المتدنية ليضيف وهقا على كاهل المجتمع. وان ظلت غالبية الشعب يشكلون فئة متماسكة متقاربة، تواجه معا قسوة الحياة وندرة السلع الضرورية وبطش الغلاء. فزينب تقرع الباب بلطف وثقة لتطلب من جارتها دميانة بعض الشاي او السكر او غيرهما، فتجد الترحيب والاستجابة. ولندة تطلب الملس من ام محمد لتلبسه امها عند خروجها الى الطريق، فتسلمه لها بابتسامة رقيقة.
وافلست تجارة الخواجة حنا مع غيره من المفلسين ، وخرج من السوق، وطرد من بيته ايضا، فالمصائب – كما يقال – لا تاتي فرادى. واخذ حنانيا على عاتقه ان يجد مخرجا لازمته. وفي لقاء له مع صديقه محمود اكتشف ان الاخير عرف بالمشكلة بحسه الصحفي، وعن طريق صلته باهل البندر، خاة وان حنا كان من كبار رجال التجارة. وفي لباقة – وعلى استحياء – عرض على حنانيا مشروعا – ليساعده بطريقة غير مباشرة. يتلخص المشروع في ان قريبا له في مجال الاستيراد والتصدير يريد فتح فرع لنشاطه في حي شبرا، يقوم هو بالتكاليف اللازمة بينمايقوم حنا بادارته.
لم يصدق حنانيا اذنيه في البداية ومحمود يعرض عليه الفكرة . ووجد نفسه يعانقه بحرارة العرفان ويشد علي يديه عرفانا.
وفي وحدته اخذ حنانيا يقلّب عرض محمودمن جميع الوجوه. وراى ان يعرضه اولا على امه، وهي السيدة الحكيمة. فانصتت لكلامه بكل اهتمام، وسرعان ما عبرت عن رضاها، واعتبار ذلك العرض عطية الهية. فهي متدينة . تستهل صلاتها في الاونة الاخيرة بالعبارة "يا عالم بالحال يا رب" مصحوبة بتنهيدة تدل على ما يعصف بها وبولدها من ازمة. ثم تشرع في سرد قائمة المشاكل والمتاعب. وتختم تضرعها بهتاف "يا محب البر" ملتمسة انصافه . الا ينصف الله مختاريه؟! وقد خبرت الحياة طويلا وتعلمت ان الله ينصف سريعا دون ان يبطئ او يسرع وفقا لتقديرات البشرية. فلاستجابته توقيتها التي يجب ان ينتظرها البشر في صبر.

3 يناير 2020

رواية: اقدام الايائل

رواية: اقدام اﻻيائل
بقلم حنة هورنارد
انها رواية رمزية عن علاقة النفس بالله، تتخذ من سفر نشيد اﻻناشيد خلفية لها. تقع الرواية في 20 فصلا. تعلو الحبكة في رواية هورنارد تدريجيا ففي الفصل الرابع نستمع الى قول بطل الرواية وهو رئيس الرعاة" لحبيبته بطلة الرواية "اﻻنسة خوافة" ان نقطة البداية للرحلة الى المرتفعات  (السماويات) تبدأ من اوطأ مكان بالعالم (اﻻتضاع وانكار الذات والتجرد الكامل). فعندما يكون لديك ارجل اﻻيائل (اﻻرجل ترمز الى السير في الطريق الروحي) ويمكنك ان تقفزي على الجبال وتركضي على التلال مثلي، يمكنك حينها ان تركضي (نزوﻻ) الى اسفل باعمق مشاعر الفرح لبذل الذات،..
وبدا ايضا ان اﻻزهار البرية تغرد نفس نوع اﻻناشيد (التي غنتها من قبل جداول المياه" ولكن بلغة مختلفة ملونة، والتي مثل حديث الماء، يمكن فهمها فقط بالقلب ﻻ بالعقل… بعد ذلك بدا لخوافة ان جميع الطيور تغني جزﻻ .. السعادة هي ان تقدر ان تحب".
وما من شك في هذا، فمن ﻻ يقدر ان يحب لن يعرف للسعادة طعما.
ويتابع الراعي كلامه في اسلوب مفعم بالرومانسية (وهي طبعا حقائق ﻻ يدركها اﻻ المحبين) ان:
“الحب وحده هو الذي يمكنه ان يفهم الموسيقى والجمال والبهجة التي غرست في قلب الكائنات..
وكلما نما الحب في داخلك فانك ستفهمين امورا عديدة .. ستتسبين موهبة تعلم اللغات – لغات غير معروفة، وسوف تتكلمين لغة الحب ايضا. كل هذه اﻻشياء سوف تتقنينها في رحلتك الى المرتفعات".
ثم يسلمها الراعي الى اثنين من حراسة (يتضح فيما بعد انهما الحزن واﻻلم اللذين ﻻ مفر منهم بالنسبة لكل المحبين على اﻻخص).
يبدا الراعي في تعريفها بحقائق (روحية) مثل: ضرورة المران فبغيره لن يكون لها اقدام اﻻيائل التي تستطيع تسلق الجبال وصوﻻ الى المرتفعات. نستمع اليه وهو يقول لحبيبته:
نعم، يمكنني ان احملك بنفسي طوال الطريق الى المرتفعات، لكن اذا فعلت ذلك ، فلن يمكنك ابدا من اكتساب اقدام اﻻيائل .. بعد ذلك بمقدورك ان تذهبي معي "قافزة على الجبال".
يعود ويذكّرها بوجود اﻻعداء (الروحيين)، الذين يملأون الجبل (وكل مكان بالعالم)، لذلك فهي في حاجة الى الحارستين اللتين عينهما الحبيب لحراستهما.
كانتا الحارستين مقنعتين وصامتتين تماما، وهذا اثار تساؤﻻت كثيرة بداخلها. لكن الراعي ﻻ يترك تساؤﻻتها بدون اجابة، بل يعرّفها الراعي انهما ليس بكمتيان ولكنهما تتحدثان بلغة جديدة، لغة الجبال التي لم تتعلمها هي بعد.
تجفل البطلة فوق لقائها بالحارستين وتشعر بغصة عظيمة حتى انها تبدأ في البكاء والسؤال: “لماذا جعلت من أشخان والآم رفيقتاي في السفر؟ الم يكن بامكانك ان تجعل (فرح وسلام) يرافقاني. لكن الحبيب يذكّرها الراعي بوعدها بالثقة الكاملة فيه. وعلى الفور تبدي الحبيبة الخضوع وتخبره انها تحبه حقا. فحتى اذا طلب منها المستحيل فانها لن ترفض.. فليس في العالم (في نظرها) سوى شخصه المحبوب.
يبتهج الراعي باجابتها ويضحك. وتتردد ضحكته عبر الصخور للوادي الضيق. "حتى ان كل سلسلة الجبال كانت تضحك معه. وارتفع الصدى الى اعلى قافزا من صخرة الى اخرى ومن جرف الى اخر وصوﻻ الى اعلى قمة، حتى بدا وكان اخر صدى خافت له وصل الى عنان السماء”.
وتترنم الحبيبة مرحبة بالحزن واﻻلم وتقول:
“دع اﻻشجان تعمل عملها.. فانها ترسل حلاوة..”.
يتركها الراعي وهو يردد: “ارجع يا حبيبتي الظبي او غفر اﻻيائل على الجبال المشعبة"(نش2: 17). لقد قفز الراعي الى صخرة مرتفعة (مثل ايّل قوي) وتكرر اﻻمر بسرعة وفي لحظات اختفى من امام ناظريها.
ويختم الفصل بتلك الحقيقة السامية:
ان نمو ارجل اﻻيل ، ما هو اﻻ عملية سرية، ﻻ يراها احد. ويوما ما سيكون لها هذه الاقدام لتقفز مع حبيبها فوق الجبال وتتسلق المرتفعات.
الفصل الخامس:
يعلو الصراع رويدا رويدا حتى يتطلب من القارئ ان يحبس انفاسه وهو يقرا عن صراعها مع افراد اسرتها (وحقا كما قال الرب يسوع "اعداء اﻻنسان اهل بيته"). لكن هورنارد قبل ان تجعلنا ننخرط في صراع البطلة تطمئننا على الحبيبة فتقول "في كل مرة كانت على وشك اﻻتداد كانت تتشبث بيد احدى الحارستين، كانت تنتابها غصة من المرارة ، ولكن حالما تقبض يداهما عليها تختبر قوتهما الفائقة.