23 مارس 2020

فابيولا ٢

كان الدم يغلي في عروقي. وسمعت صوتا يهتف بي في اعماقي قائلا:
يا جبان.. تقدم واثبت له انك لست كذلك. وشعرت بان فيّ  قوة عشرة رجال، ووددت لو امسكت به، وخبطت به اﻻرض. وكانت هذه احرج لحظات مررت بها في حياتي..
وماذا فعلت بي يا بني؟
لقد انتصرت يا امي على هذا الروح الردئ. وتذكرت سيدي المبارك في بيت قيافا والجند يحيطون به ساخرين ضاحكين مستهزئين يضربون ويتفلون على وجهه. فقلت في نفسي، هل العبد افضل من سيده، ام التلميذ افضل من معلمه؟ وهكذا رفعت يدي الى السماء وفي هذه اللحظة تقدم كسيانوس الذي كان يرى كل شئ من بعيد. ولما رأوه تفرقوا مبتعدين. ولكن طلبت منه بحق اﻻيمان اﻻقدس المشترك بيننا ان يترك هذا الشاب وﻻ يمد اليه يدا. اﻻ ترين يا اماه ان هذا اليوم يستحق ان يكون اسعد يوما في حياتي؟

حفلة التكريس

واسدل الليل ستاره على مدينة روما، ودلفت الى البيت خادمة عجوز، واشعلت في هدوء الثريات والسرج وانسحبت كما اتت، والقت السرج ضوءا على الشخصين الجالسين في صمت، وهما يتطلعان احدهما الى اﻻخر، فلم ترد اﻻم بعد ان اكمل ابنها قصته، اﻻ ان تنحني عليه وتقبله.. كانت تجيش في صدرها مشاعر متباينة. لم تكن هذه المشاعر هي مشاعر ام ترى ابنها نجح في امتحان قاس صارم، فهي تستطيع ان تفخر بابنها اما شيوخ الكنيسة، كما افتخرت ام من قبل بابنها امام مجلس الشيوخ الروماني.
ولكن المشاعر التي تجيش في صدرها اعمق من هذا. وكانت هذه لحظة انتظرتها منذ سنين طويلة، واعدت العدة لها بدموع وطلبات كثيرة. فكم من ام كرست ابنها من المهد ﻻقدس واسمى هدمة في الوجود : الخدمة امام المذبح.. وروت نبتة القداسة في حياته بدموع عينيها..

واغمضت اﻻم القديسة عينيها ورفعت قلبها بصلاة قلبية عميقة.. ثم قطعت لوسينا حبل السكون قائلة له:

لقد اتى الوقت يا ابني الذي كنت اعد نفسي له  وكنت اتطلع اليه منذ امد بعيد.. ها انا اراك اليوم ووجهك صوب صهيون وقد ادرت ضهرك الى مدينة اﻻباطيل وشعارك "حاشا لي ان افتخر اﻻ بصليب يسوع المسيح". لقد كنت انتظر هذه الساعة التي يختبر فيها ايمانك.. وها قد اجتزت اﻻختبار بنجاح.. ويحق لي ان اقول بفرح انك ابن الشهيد، وان نصيب اثنين من روح ابيك قد حل عليك.
وتمتم الصبي في دهشة:
يا اماه ماذا فعلت حتى تخاطبيني هكذا؟
اسمع يا ولدي: لما كنت طفلا كطفل كنت تتكلم وكطفل كنت تفطن وكنت تفكر.. وها قد اصبحت رجلا وينبغي ان تبطل ما للطفل..
ماذا تقصدين يا امي؟

(يستكمل)

ليست هناك تعليقات: