5 أبريل 2022

قراءة في رواية: ١٩٨٤- ج٢

رواية ١٩٨٤ من اروع الروابات التي ابدع فيها جورج اورويل، يطالعنا الفصل الخامس في الرواية عن قضية هامة الا وهي حرية فكر. وينألق جورج اورويل ويبحر بعيدا في خياله، الى حد محاولة وزارة الحقيقة وهي الاسم المكنى لوزارة الاعلام عن محاولتها المستميتة للسيطرة على حرية الفكر والتعبير والنشر وهلافه من خلال محو القاموس اللغوي تماما. فان كان ما يميز الانسان عن الحيوان هو القدرة على النطق والتفاهم باللغة، فان سيطرة الحزب الشيوعي والفكر الشمولي هو ارجاع الانسان ليشابه الحيوانات غير الناطقة.
قابل وينستون زميل العمل سايم في مقصف وزارة الحقيقة. يتبادلان اطراف الحديث عما يقوم به سايم من عمل جاد في المعجم اللغوي الجديد. 
قال سايم في حماسة واضحة:
"لعلك تظن يا وينستون ان اختراع كلمات جديدة هو عملنا الرئيسي! ﻻ. نحن نحطم الكلمات.. يجري يوميا تدمير مئات الكلمات. نحن نسلخ اللغة حتى عظامها”.
راح يقضم الخبز ويبتلعه بنهم. وقد طغت الحيوية على وجهه الداكن وحلت محلها سكينة حالمة. وتابع قائلا:
"ان تدمير الكلمات امر جميل. وطبيعي ان تكون نسبة التدمير اكبر في اﻻفعال والصفات عن اﻻسماء. ما مبرر وجود كلمة ﻻ تعدو ان تكون نقيضا لكلمة اخرى؟ اﻻ تحمل كل كلمة نقيضها في ذاتها؟ خذ مثلا كلمة "جيد". ما مبرر وجود كلمة "سئ"؟ ان "غير جيد" تفي بالمعنى تماما. ثم اذا اردنا تعبيرا اقوى من كلمة "جيد" فما فائدة ان تكون لدينا قائمة من كلمات غامضة ﻻ نفع فيها من قبيل "ممتاز" و "رائع"؟ اﻻ تفي كلمة "جيد جدا" بالغرض؟ اﻻ تعرف ان "اللغة الجديدة" هي اللغة الوحيدة في العالم التي يتناقص عدد كلماتها كل عام؟".
توقف هنيهة وراح يحتسي بعض الحساء، ثم اكمل وقد طغت الاثارة على ملامحه:
"عندما يتم ذلك، حينها ﻻ تجد جريمة "التفكير" مجاﻻ للوقوع. لن يجد المرء كلمات تمكنه من ان يرتكب هذه الجريمة! سوف تتناقص الكلمات عاما بعد عام، مثلما يتناقص الوعي واﻻدراك”.
خطر في بال وينستون ان سايم سيتم تصفيته يوما ما. انه ﻻمع الذكاء ! ولكنه ايضا صاحب كلام صريح، وهذا ﻻ يناسب الحزب ان يوجد اشخاص من هذا النوع. نعم كان سايم شديد الوﻻء للحزب لكنه كان ايضا يفتقر الى الحذر الذي يحفظ حياة صاحبه، كان ينقصه الغباء الذي يريده الحزب في العامة من اعضائه. كان يجل اﻻخ الاكبر .. ويهتف ﻻنجازات الحزب.. الحماسة وحدها ﻻ تكفي لكن الوﻻء المطلق يعني انعدام الوعي والغباء المطبق، وهذا هو المطلوب.
شق بارسونز قاعة الطعام وصولا الى طاولة سايم ووينستون. جلس وتحسس جيب قميصه ثم اخرج ورقة وكان يحمل قلمه بين اصبعيه. غمز بارسونز لوينستون معلقا:
"انظر اليه.. يدرس حتى وقت الغذاء! .. ماذا لديك ايها الصبي العجوز؟".
ثم قال لوينستون من جديد:
"او تدري لماذا اﻻحقك؟ لقد نسيت ان تعطيني التبرع.”
اجابه وينستون متسائلا: 
"التبرع.. ﻻي شئ؟"
"يجب اقتطاع ربع الراتب لدفع تلك التبرعات التي ﻻ يستطيع المرء حصر عددها”.
"انه تبرع ﻻسبوع الكراهية.”
اضاف بارسونز: 
"علمت ان ابني اصابك باﻻمس بالنبال؟"
"لكنني ﻻ اتعجب اذا..”. اكمل بارسونز جملته عن طريق اﻻشارة اذ رفع اصابعه على شكل مسدس ثم طقطق بلسانه مقلدا صوت اطلاق الرصاص.
"ﻻ باس..”. وراح تابع اﻻحصاءات في اﻻذاعة.. وهمس ساخرا لنفسه:
لقد ازداد كل شئ ما عدا الجريمة والمرض والجنون. 
بدا من اﻻحصاءات كأن كل شئ يتحسن بسرعة مضطردة يوما بعد يوم وسنة بعد سنة. وهو ما كان عكس الحقيقة تماما. واخيرا صدر صوت صافرة يعلن اختتام بيان وزارة الوفرة. واتت بعدة موسيقى خفيفة.
وتنبه عندما حركت تلك الفتاة التي جلست الى الطاولة بجواره كرسيها لتنهض. لابد انها من الجواسيس. لعلها تراقب هل يهتف بصوت مرتفع ﻻنجازات الحزب. هل هي من شرطة الفكر؟
**
كما يطالعنا الفصل السابع عن محاولة الحزب الشيوعي على المواطنين من خلال التحكم في العمليات الحيوية، واهمها الجنس والذي اودعه الله في البشر بغرض النماء والتكاثر. وهذا يعيد الينا ما دونه افلاطون في كتابه (الجمهورية). وهي الانجاب بغرض جمعي وهو نماء الدولة وزيادة عدد افرادها وليس كعملية متفردة تبع من قرار شخصي لحر لكل انسان. وهذه الفكرة وجدت صدى في كثير من العصور. فعيد الفالانتين الشهير والذى اضحى عيدا مميزا للتعبير عن الحب بين الازواج في كل العالم، اكتسب اسمه من القديس فالانتينوس الذي رفض اوامر الامبراطور الروماني بعدم عقد مراسم الزواج للجنود الرومانيين. كجزء من خطة عسكرية و قرار امبراطوري للتفرغ للحروب مع الفرس انذاك. نقرأ:

كان وينستون يكتب في مذكراته:
“حدث ذلك منذ عامين..
توقف عن الكتابة لحظة. صار اﻻستمرار صعبا. اغمض جفنيه وضغط عليهما باصبعيه محاوﻻ ازالة ذلك المشهد الذي ظل عالقا في مخيلته. اجتاحته رغبة شديدة في الصباح، باعلى صوته مطلقا كلمات بذيئة، او في ضرب راسه بالحائط، وركل الطاولة ورمي الورق من النافذة.. رغب في اي شئ من شانه ان يخلق عنفا او يسبب ضوضاء او يلحق الما .. عليه يطمس تلك الذكرى المؤلمة.
راح يقول لنفسه "جهازك العصبي اسوا اعداءك.. انها مغامرة محفوفة بالمخاطر لكنها ليست مسألة حياة او موت”.
كان انجاب اﻻطفال من اجل خدمة الحزب هو الهدف الوحيد للزواج. يتعين انجاب اﻻطفال عن طريق التلقيح الصناعي، اذ اعتبرت ممارسة الجنس عملية وضيعة تثير القرف واﻻشمئزاز.
وتذكر كاثرين، تلك الفتاة ممشوقة القوام التي لها انف معقوف قليلا ووجه جرئ. وجه قد يستطيع المرء ان يعتبره نبيل الملامح الى ان يكتشف عدم وجود شئ خلفه.. بدت وكانها تجفل او تتيبس كلما حاول ان يلمسها. بدى انه ﻻ يطيق العيش معها وﻻ العيش بدونها ايضا. حاول اﻻتفاق معها على حياة العزوبية. لكن الغريب انها كانت تقول ان عليهما ان ينتجا طفلا ان استطاعا ذلك. فمن خلال الهراء المزروع فيهن عن طريق المدرسة واتحاد الشبيبة.. كانت اﻻحاسيس الطبيعية قد نزعت منهن تماما.

كما تلاحظ ايها القارئ العزيز، ثمة ذكر لاسبوع الكراهية او فاعليات لكرنفال الكراهية، وكنت قد كتبت عنه. ستجد مقالا هنا عنه.

موضوع ذو صلة: