9 مايو 2016

صوت في الريح



"لماذا تواظبين على التعبد لاله تخلى عنك؟"
فاجأها سؤاله، فرفعت نظرها اليها ولم تنبث ببنت شفة. اما هو فقد تابع كلامه قائلا: "عليك ان تختاري الها آخر ألطف بك من الاله غير المنظور الذي كنت منبطحة امامه قبل قليل".
احمر وجهها وفكرت، كم مضى من الوقت وهو يراقبها؟ لقد التمست عزلة الحديقة في الليل،ظانة انها ستحظى بخصوصية ،وان واحدا لن يراها هناك.
"حسنا ألا تستطيعين ان تجيبي؟"
اجابت متلعثمة: "ان الهي لم يتخلى عني يا سيدي".
فضحك ساخرا: "مدينتك المقدسة (اورشليم) خربة ، وشعبك مشتتون على وجه الارض، وانت عبدة. كل هذا وتقولين ان الهك لم يتخل عنك؟"
فأطرقت رأسها.
"انظري اليّ يا هدسة الصغيرة". واذا امتثلت لامره، اذهلته عيناها الداكنتان في ذلك الوجه البيضاوي الصغير. "اما يهمك انك فقدت حريتك"
"جميعنا نخدم شخصا ما او شيئا ما"
فابتسم. "افتراض يثير الاهتمام. ويا ترى من اخدم انا؟"
ولما بدت اشد جبنا ان تجيب. قال لها بلطف متناه: "لست انوي ان اؤذيك. هيا اجيبي. برأيك ، من اخدم انا؟"
"روما"
اضحكه ذلك وقال مكررا: "روما" ثم اضاف: "اذا كنا جميعا نخدم شيئا ما، فانا اخدم رغباتي وطموحاتي". وبينما هو يسترسل تساءل في نفسه عن سبب اعترافه بهذا لمجرد فتاة عبدة. وازعجه ان تنظر اليه فتاة عبدة نظرة اقرب الى الشفقة، فقال مستهزئا: "هذه غاية الحياة ، اليس كذلك؟ ان تسعي الى السعادة وتحصلي عليها اينما وكيفما استطعت. فما رأيك؟"
"لست اعتقد ان غاية الحياة هي ان يكون المرء سعيدا، بل ان يخدم. ان يكون نافعا".
فقال: "بالنسبة الى عبدة، هذا الكلام صحيح". ثم حول عينيه عنها وهو شاعر انه مرهق .. مرهق حتى عظامه.
"ألسنا جميعا مستعبدين لشئ نتعبد له" وجعلت هذه الكلمات رأسه يدور نحوها من جديد.
"اذا بكلماتك انا اخدم نفسي فانا عبد لنفسي".
تراجعت خطوة الى الوراء والدم يتلاشى من وجهها. "التمس عفوك، يا سيدي. لست فيلسوفة".
"لا تنسحبي الان يا هدسة.حدثيني بعد حتى اتسلى"
"ما انا حتى تسألني عن اي شئ؟ ألديّ اي حكمة انقلها اليك؟ انا مجرد عبدة"
ان ما قالته صحيح، فاي اجوبة تمتلكها عبدة حتى تقدمها اليه؟ ولماذا بقى في الحديقة معها؟ لقد ضايقه شيئا ما، وهو اراد فعلا ان يعرف منها شيئا. اراد ان يسألها عن سبب تمتعها بسيماء السلام رغم ما كابدته من الام. ولكنه بدلا من ذلك قال بحدة : "وهل كان ابوك عبد ايضا؟"
"نعم"
"وبماذا آمن؟"
"امن بالحب"
اجفل. لقد سمع هذه الكلمة مرارا من صديقته "اريا". انه يعرف كل شئ عن الحب. وقد تركه الحب منهكا وخايا. كان في وسعه ان يغرق في الحب ولكن حين ينتهي يجد نفسه ما زال جائعا.. جائعا الى شئ ما لا يستطيع تحديده. لا، ليس الحب هو الحل.بل ربما كان الامر كما اعتقد دائما:"القوة". القوة تأتي بالسلام، والمال يأتي بالقوة.
لماذا فكر ان يتعلم شيئا من هذه الفتاة؟ انه يعرف الجواب، اليس كذلك؟ لذلك اجاب بجفاء: "يمكنك ان ترجعي للبيت".
ان مرقس فاليريوس كان يملك كل ما يمكن ان يقدمه العالم لرجل. ومع ذلك ها هو واقف هناك صامتا ومحروما على نحو يدعو للعجب. اكأن كل تكبره وغناه علامة على عذاب داخلي؟
وادركت هدسة عذابه ولكنها كيف يمكنها ان تعلم روماني عن الله، هي تعلم ما عمله نيرون. قالت برقة:"عسى ان تدرك السلام يا سيدي" ومضت.
اما مرقس فقد راقبها حتى غابت عن نظره.

عن رواية "صوت في الريح" - فرانسين ريفرز
==
عن رواية "صوت من الريح" - فرانسين ريفرز

ليست هناك تعليقات: