18 يناير 2017

ثرثرة فوق النيل


يقول عن هذه الرواية نجيب محفوظ: "انا لم اكن متشائما كما ذهب البعض. فالقصة تعبر عن الاحساس بالعبث. ولكن رغم صعوبة اللحظة الراهنة، نرى انيس زكي الشخصية الحمورية في الرواية ، في النهاية، يتخيل اول حيوان نزل من اعلى الشجرة.. نزل الى الحياة، هناك حلقة .. او نقطة في الحياة لا يرضى عنها ، ولكنها نقطة البدء .. يحس ان الانسانية قد قطعت شوطا هائلا في طريقها ، ولابد ان تمضي في الطريق.. فانيس زكي لا يتذكر بدء الرحلة الانسانية كمقابل لحال التوقف التي يجد نفسه فيها .. ومن نظر اليها هذه النظرة.. اعتبرها دليلا على التشاؤم".
وقد فسر "ناجي نجيب" نهاية "ثرثرة فوق النيل" بانها تنتهي بشكوى وجودية (البحث عن معنى الحياة) وربما تكون اشبه في ذلك ببعض نهايات "فرانز كافكا"، فالشكوى او الصرخة الوجودية التي تنتهي اليها الثرثرة هي تعبير عن الالتزام المبهم – الالتزام غير المقيد وهي تعكس صعوبة الموقف الاجتماعي السياسي الذي تعالجه الرواية ، وصعوبة ايجاد مخرج له.
ففي "ثرثرة فوق النيل" نرى مجموعة اصدقاء افترشت العبث، اجتماع وهمي في "عوامة" الثرثرة والادمان وسرعان ما يتحطم وينهار ... ممثلة المجتمع الجديد التي دخلت العوامة تستهدف تحويل اهلها ، بدورها هي ايضا تنهار..! ان جو العوامة يستحوذ عليها وتهزم في النهاية ويرتفع الانين الوجودي..
يقول عنه صديقه "يوسف جوهر": "نجيب محفوظ ، هذا الانسان الرائع، هو المصنع العجيب الذي غزلت فيه مصر فنها الروائي في ابدع اشكاله وابهى صوره.. وقد جمع بدأب وبصيرة وفطنة خيوط شخصياتها.. وتعقبها في مصر القديمة والمعاصرة، في ايام الازدهار وفي ايام الانكسار، وتحولت بين يديه الى نسيج موشى بالوان الطيف متلالئ بالدمع والابتسام والحزن والفرح.! هذا النسيج هو الذي فحصته لجنة "جائزة نوبل" وحكمت باصالته ، وبانه نسيج مصري فريد لا يمكن تقليده! واذا كانت مصر الفرعونية قد قدمت لنا تمثال "الكاتب المصري" وهو يجلس القرفصاء تعبيرا منها عن احترام الكلمة ومحبتها، فان هذا القرن قد اهدانا "الكاتب المصري الجديد" الذي وصل ماضينا بحاضرنا."

احد سمات "ثرثرة فوق النيل" هي الواقعية. والواقعية كما يعرفها نجيب محفوظ: "هي استلهام الواقع، النفاذ اليه لاستجلاء معناه. اي الرجوع الى الواقع بابعاده المختلفة – الزمان؟، المكان، الناس.. وبهذا المعنى يتعذرلا ان يكون هناك فنا غير واقعي. ويتفاوت منظور الواقع فقد يحاول الفن النفاذ اليه من الجانب النفسي ومن الجانب المادي . اذا اعتمدنا على الداخل لتصوير الواقع نصل الى القضية النفسية. وقد تتغلب الروح الفردية ونسميها "رومانتيكية".. هذا ايضا واقع ولو ان المؤلف في هذه الحالة يتجاهل البيئة".

ليست هناك تعليقات: