3 مارس 2015

المحكوم



"لماذا ينكلون بي؟ ماذا يطلبون؟ فيم اسأت اليهم؟ لا املك شيئا . قوتي مضعضعة.. الآمي مبرحة . رأسي يشتعل.. الدنيا تدور حولي في حلقات. تكتنف السماء دخان كثيف.. ونجوم تلمع من بعيد. الضباب بساط بنفسجي واسمع نغمات موسيقية اتية من بعيد.. البيوت تظهر بتتابع .. لعل هذا بيتي . اماه.. انقذي ولدك البائس.. ضميني الى صدرك بحنان . جاء صوتي متهدجا". هكذا كانت تجول في نفسه الخواطر.
كانت ثلة من الجنود التي جاءت لتنفذ حكم الموت بالرجل تواجه ضفة الجسر الاخرى المقام على النهر. وقد امسك قائد الجند بقرار تنفيذ الاعدام وجمد في مكانه، وكذلك جمد الجنود وكأنهم جميعا تماثيل قدت من حجر، وقفوا جميعا بلا حراك. والموت - كما تعلمون - له هيبة.
كان المحكوم عليه بالاعدام شابا في اوائل الثلاثينات، جبهته العريضة انطبعت عليها علامات الذكاء والطموح، ولا يغرب عن البال ان قانون الطوارئ ، في حالة الفوضى، يطلق للحكام حرية اطلاق الاحكام المجحفة، وكان هذا من حظه العاثر ..
نظر الى اسفل والمياه المنسابة تحته. اخذ يرقب قطعة من الخشب تداعبها صفحة فتارة تقبل وتارة تسكن عندما تصطدم بقاعدة الجسر اوالنباتات الطافية.
واغمض عينيه حتى يتحول عن تتبع ما يراه ، و يقصر تفكيره على من يرعاهم، اي زوجته واطفاله. لكن طرق رتيب مريع ، طرق نافذ كأنه المطرقة تهوى بشدة على السندان، سرعان ما اجتاح دماغه! وبسرعة مفاجئة خاطفة كانها ومضة برق، طنت اذنيه طنينا مريعا وبرد ما حوله واظلم الكون.. استطاع الآن تمييز الآن الوان المنشور الزجاجي في قطرات الندى التي تعلو سطح ورقة من اوراق الشجر. اما حواسه فقد اصبحت  الان مرهفة، وسمع طنين بعوضة وهي تثب في رقصتها المستمرة. وكذلك ذبابة وهي تصفق باجنحتها.   

ليست هناك تعليقات: