21 يوليو 2015

رسالة من سجين


في الصباح اتجه مفوض الشرطة الى منزل اندريه، طرق الباب، حينما فتح، قال للفتاة الواقفة بالباب:

- ايتها الشابة! اعطني مقصا لاصلح سيارتي، فقد تعطلت امام منزلكم.

حملت الفتاة اليه المقص. كان المقص ملويا. علم المفوض ان المقص من عند اندريه وانه ملوي. لقد كشف له ميشا صديقه كل شئ في اعترافاته امام النيابة، وكيف نفذا جريمة السرقة. فقط كان ينقص القضية الدليل، وهو المقص الذي كان اداة الجريمة.
قال المفوض للفتاة حين اعطته المقص:

- هل هذا المقص لك؟
- هو لنا، هذا مقص ابي.
- واين ابيك؟
- ذهب الى المخزن.
- استدعيه اذا.
كانت الفتاة تجهل كل شئ، فذهبت تنادي اباها. حينما وصل اندريه سأله المفوض بدوره:
- اندريه، لمن هذه الآلة؟
حاول اندريه الانكار، لكن المفوض لم يصغي اليه. وامره بالصعود الى السيارة. وها هم يتجهون مباشرة الى القسم. 
ظل اندريه اثناء التحقيقات، مقطب الحاجبين، صامتا، مبتسما من اطراف شفتيه بين الحين والاخر وهو يرى صديقه يمثل الجريمة التي ارتكباها. وحين انتهى صديقه انهار تماما واعترف هو الاخر بدوره. بعد ذلك انتقل وهو يمشي متثاقلا، الى غرفة الحجز..

في الليلة الاولى التي قضاها بالحبس، ابتهج قلبه بالاكثر وهو يرى نور الشمس يدخل من نافذة ضيقة بالسجن، والذي يدل على ان الشمس تشرق على الارض، وان لم تشرق عليه هو. وكان يتمنى لو كانت له اجنحة يطير بها الى فوق من خلال تلك النافذة ، ليحلق في جو السماء المجيد البعيد.
وفي الصباح الباكر رأى احد رفقاءه في غرفة الحجز جاثيا ومستغرقا في الصلاة.. وحين انهى صلاته سأله بتودد:
- كيف نمت الليلة؟
 وقد كان هذ السؤال وهو علامة مجاملة بسيطة مقبولا ومحببا الى قلب السجين العاثر الحظ، فاجابه وعلامات الارق بادية عليه:
- نمت نوما رديئا ومتعبا، وكيف لي ان اتوقع نوما هنيئا هنا.
اجابه:
- ان من اعتاد ان ينام في سرير مريح على فراش وثير لابد ان يحس بقسوة النوم في هذا الفراش. اما نحن فلاننا تعودنا على النوم في هذا الفراش لم تعد خشونته تؤلمنا.
- اني جد اسف على هذا الكلام الذي تفوهت به في حقك امس.
- لا عليك، اننا لا نستطيع ان نميز اصدقائنا من اعدائنا سريعا.
فصاح وقد داعب قلبه امل كبير:
- ولكنك ستكون صديقي بلا شك ويمكنني ان اثق بك.
***
جاء الحكم عليه وعلى صديقه ميشا بالاعدام لارتكابهما جريمتا سرقة بالاكراه وقتل.
حينما سمع الحكم في جلسة المحاكمة الاخيرة تنهد بعمق، وفرك بيده موضع القلب، ولم ينبث ببنت شفة. وحين عاد الى زنزانته امسك ورقة وقلما وراح يخط خطابه الاخير الى امه:
ايتها الام العزيزة! – وخنقته العبرات – اغفري لي ما سببته لك من ألم. أأخطأت؟ مؤكد... لكني، لا اطلب منك الا شيئا واحدا، ان تغفري لي. لقد كتبت هذا من قبل. لكن لا بأس. فلا وقت لديّ لانسخ ما كتبت – لا تعذبي نفسك من اجلي. اتقدم الموت قليلا ام تأخر قليلا، سيان، أليس كذلك؟ لست اخشى شيئا. لا اجرؤ على تكرار جميع الكلمات التي في قلبي والتي تشد من عزيمتي تهدئني. اغفري لي. اقبل يديك الغاليتين الطاعنتين في السن. اتعلمين يا امي، ان قوة الانجذاب الى كوكبنا الارضي لا تزال كبيرة بشكل مخيف. ان بي شوقا كبيرا للحياة. انني احيانا اتطلع من نافذة السجن الي الخارج ليلا وانظر الى السماء و اتأمل النجوم، انني عالم انني اسير الى القبر و لكنه سيكون من اغلى القبور.. سأغرق روحي بعاطفتي.. انني احب البراعم الغضة في فصل الربيع و احب السماء الزرقاء .. لم اكن اعلم ان الانسان يحب الفترة الاولى من شبابه بهذا المقدار.

ليست هناك تعليقات: