قالت: قلبي يحدثني يا زوجي العزيز بأننا سنجعل من كوخنا بيتا فخما لا تنقصه الحدائق و لا البلابل المغردة، وسيلقى اولادنا فيه كل راحة ومتعة.
وقف وهو يبتسم ابتسامة لم تراها الزوجة في الظلام الدامس، وقال ساخرا وهو ينفض التراب عن جلبابه المهترئ:
- الخيار الطازج! قالها بنغم اعتاده في عمله كبائع متجول. ثم اردف في غمرة انفعاله:
- العرق يتصبب من جسدي، والصبية يتسلون بمعاكستي، والنسوان يرهقوني بمساوماتهم، والارض تأكل قدميّ، في سبيل ملاليم نكسبها، ولقيمات نزدردها تحفظ لنا رمق الحياة وتخفف بها الام الجوع..
ودخل الكوخ فتبعته وهي تقول:
- لكن سيأتي يوما فيه ننعم بالمرح والرغد.
- لو كنت تشقين مثلي ما وجدت وقتا للاحلام.
ورقد كل منهما على خيشة محشوة بالقش، وتابعت هي تقول:
- أليس الله بقادر على ان يجعل من كوخنا بيتا كالبيت الذي طردنا منه ابوك...؟
فقال وهو يتثاءب:
- امنيتي ان اعود الى البيت الكبير، بيت ابي.
ثم وهو يتثاءب بدرجة اعلى:
- العمل لعنة!
- فقالت بصوت هامس:
- ربما، ولكنها لعنة لا تزول الا بالعمل!
عن رواية اولاد حارتنا - نجيب محفوظ
عن رواية اولاد حارتنا - نجيب محفوظ